يبدو أن الحاجة كانت ملحة لتحقيق فيلم عن التطرف والإرهاب في وقت يتوجس الكنديون اليوم من احتمالات حدوث موجة عنف وتفجيرات إرهابية على ايدي بعض الخلايا النائمة. وما عزز هذا الاعتقاد صدور تقرير رسمي عن بلدية مونتريال («مركز منع الراديكالية المؤدية للعنف») يحذر، على خلفية اكتشاف 30 طالباً وطالبة أخيراً في «معهد روزمون» كانوا يهمون بمغادرة مونتريال إلى سوريا، من أن «مدارس كيبك باتت خاضنة جيدة لتفريخ المتطرفين»، وأن دعوة «وكلاء التطرف» ناشطة على الشبكة الإلكترونية، وأن وسائل الإعلام تحذر بدورها مما تسميه «كابوس الإرهاب» و«مونتريال مقراً وممراً للإرهاب». في ظل هذه الأجواء يتناول أول فيلم كندي موضوع الراديكالية، ويطلع الجمهور على «حقيقة التطرف» و «دوافعه» التي تجذب مراهقين من الجنسين. ويجري تجنيدهم في صفوف منظمات إرهابية، ويرسلون إلى مناطق القتال في سورية والعراق. ولادة «السماء ستنتظر» الفيلم هو أحدث أعمال المخرجة الكندية ماري كاستيل شعار (وثائقي– طويل 100 دقيقة وناطق بالفرنسية). ويعرض حالياً في أكثر من صالة في مونتريال، حيث يلاقي إقبالاً لافتاً من الكنديين ربما لإحاطته بتغطية إعلامية واسعة . ومنذ اللحظات الأولى التي رافقت ظهوره على إحدى الشاشات، ساد الصالة وجوم وصمت رهيب. وتابع المشاهدون حكاية «مجنونة» لفتاتين قاصرتين وقعتا في شباك «داعش». بسرعة تفاعل المتفرجون مع الأحداث المأسوية بصبر وحزن وأنفاس محبوسة، وشفاه مطبقة، ونظرات مضطربة. وكأن كابوساً جثم على صدور الجميع. وتمضي المخرجة في متابعة مراهقتين كنديتين، إحداهما (16 سنة) كانت على وشك المشاركة في هجوم بعد فشلها في الذهاب إلى سوريا للالتحاق بـ «داعش». بينما الثانية (17 سنة) وقعت في غرام «أمير» داعشي وسيم على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي وأملت في لقائه والتخلص من دولة الكفر وبقائها في «أرض الإسلام». تشير وقائع الفيلم إلى أن ولادته تمحورت حول سؤال واحد محير مفاده «كيف يمكن مراهقة في هذا العصر أن تغامر بحياتها الطبيعية وأن تكون مستعدة للتخلي عن كل شيء من أجل الذهاب إلى القتال في سورية أو العراق». وانطلقت البدايات الأولى من سلسلة مقابلات شملت أكثر من 30 مراهقة تحدثن على مدى ثلاثة أشهر عن مشاعرهن وحياتهن وطموحاتهن. كما استعانت المخرجة بإحدى المسؤولات العاملات في «مركز التدخل ضد التطرف الإسلامي» للاستفادة من خبرتها وكيفية تعاملها مع المنظمات الإسلامية المتطرفة. ويركز الفيلم على أكثر من جانب من حياة المراهقتين، فهما تنتميان إلى منابت اجتماعية متوسطة أو ميسورة، وهما غير ملتزمتين دينياً وغير محجبتين ولا تعرفان شيئاً عن الواجبات الدينية. ويلفت أيضاً إلى دور «وكلاء التطرف» في الداخل الكندي أو عبر شبكة الإنترنت في استنهاض وتجييش المراهقات وقدرتهم على استغلال سذاجتهن ونقاط الضعف لديهن وسهولة التغرير بهن ووعدهن بمغريات دينية ودنيوية وهمية. أصداء إيجابية حظي الفيلم بإعجاب وتنويه معظم الصحف المونتريالية التي أشادت بقدرته على أسر انتباه المشاهدين وبقوة موضوعه وصدقيته ومتانة بنائه الدرامي ورسالته الواضحة في إدانة العنف والإرهاب والتطرف. وتحذيره من قدرة الحركات الراديكالية التي تجيد كسابقة تاريخية «فنون التلاعب» في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخطاباتها الدعوية الديماغوجية الشعبوية في اجتذاب العنصر النسائي واستخدامه في ماكينتها الإعلامية. ويتساءل الناقد الكندي في صحيفة «لو سولاي» على ما يوحيه إليه عنوان الفيلم بقوله: «إن السماء ستنتظر من يقطع رؤوس البشر أم الأطفال المغرر بهم؟».