×
محافظة حائل

المزاد الشهري للتراث يزاول نشاطه بحائل

صورة الخبر

هناك حقيقتان هامتان لابد من التوقف أمامهما قبل المضي في هذا التحليل هما: أولاً: أن العلاقة بين باكستان منذ استقلالها عام (1948م) على يد مؤسسها (محمد علي جناح) وجلالة الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه) وضعت قواعد راسخة ونموذجية لتعاون يقوم على الثقة والتكامل والحرص المتبادل باعتبارهما ركيزتين إسلاميتين كبيرتين لا يمكن للأمة أن تستغني عن تعاونهما في أي وقت من الأوقات. ثانياً: أن الشعب الباكستاني المسلم ينظر إلى هذه البلاد نظرة قداسة.. باعتبارها قبلة الإسلام والمسلمين ومهوى أفئدتهم.. وبها تتعلق قلوبهم ونفوسهم وعقولهم على الدوام.. * * ولذلك فإن الملك عبدالعزيز (يرحمه الله).. وضع هذه البلاد في خارطة أولوياته باعتبارها أكبر دولة إسلامية يعتمد عليها ويوثق بها ويحسن التوسع في التعاون معها.. وهو ما درج عليه ملوك هذه البلاد على الدوام.. وجاءت زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حتى قبل أن يصبح ملكاً.. بدءا بزيارته لها في الفترة ما بين (22 ــ 25/4/1984م) وزيارته لها في الفترة الواقعة ما بين (25 ــ 27/10/1998م).. وكذلك زيارته لها في (18/10/2003م) ثم زيارته الأخيرة لها بعد أن أصبح ملكاً في الفترة الواقعة ما بين (1ــ2/2/2006م) والتي كانت تتويجاً لعهد جديد من التعاون الاستراتيجي بعيد المدى.. * * وهي الزيارة التي بحث فيها الملك قضايا في غاية الأهمية.. قدر لي أن أحضر فيها وأن أرصد مؤشرات تصاعدها بعد ذلك سنة بعد أخرى. تلك القضايا المحورية الهامة هي: (1) الوضع المعقد في أفغانستان وانعكاساته على كل من باكستان نفسها وعلى المملكة العربية السعودية.. وسائر دول العالم. (2) علاقات الباكستان بجارتها الهند.. في ضوء الرغبة الباكستانية بقيام المملكة بدور بناء في ترطيب العلاقات بينهما عقب تصاعد معدلات الخلاف بين البلدين. (3) توسيع دوائر التعاون بين البلدين في المجالات الدفاعية والعلمية والتعليمية والصناعية والتجارية. * * يومها قال لي أكثر من خبير وسياسي باكستاني: إن آفاقاً جديدة من التعاون قد فتحت بين بلدينا لأن عناصر الثقة.. والمودة الحقيقية .. والمصالح المشتركة بين الدولتين قد توفرت بصورة غير مسبوقة ولاسيما في ظل تناغم واضح وملموس بين الشعبين وبين القيادتين.. * * يومها أيضاً قال لي بعض رجال الأعمال السعوديين بعد اجتماعات مكثفة لهم بنظرائهم الباكستانيين.. إن لدى هذا البلد الإسلامي الكبير إمكانات ضخمة.. لتوسيع دوائر التعاون التجاري والاستثمارات المتبادلة لو توفرت بعض المرونة في التعامل بين الطرفين على المستويات الإجرائية والتنظيمية والحقوقية.. * * وعلى ما أذكر.. فإن هذه الزيارة الهامة قد أسفرت يومها عن التوقيع على (5) اتفاقيات هامة.. أولها وضعت أسساً للتشاور السياسي بين البلدين ولمزيد من العمل الدبلوماسي المشترك أيضاً .. وكانت الاتفاقية الثانية لزيادة أوجه التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا واستثمار الخبرات الباكستانية في هذا المجال بصورة أفضل.. أما الثالثة فركزت على تجنب الازدواج الضريبي والتعاون في مجال التعليم الفني وكانت الرابعة عن دعم التعاون التجاري بين القطاع الخاص في البلدين وركزت الاتفاقية الخامسة على التعاون الصناعي المطور أيضاً. * * وبالرغم من أن البيان الختامي لهذه الزيارة لم يشر إلى النواحي العسكرية.. ألا أن ما رشح عن هذه الزيارة من معلومات قد أكد أن البلدين ماضيان إلى مزيد من التعاون الأوثق سواء في مجالات التدريب والتسليح أو التعاون والتنسيق الخططي والبرامجي في هذا الاتجاه.. * * ومعروف أن هذا التعاون يتطور باستمرار.. وأن الخبرات العسكرية دائمة التشاور والتنسيق وأن التدريبات المشتركة قائمة على قدم وساق.. * * فلماذا يحدث هذا ومع باكستان على وجه التحديد؟ * * والجواب هو: أن باكستان المسلمة بسكانها الذين يتجاوز عددهم (180) مليون نسمة.. تشكل ثقلا سياسياً هاماً في منطقة هامة.. ومحورية وتشهد أوضاعاً غير مستقرة.. وتستطيع أن تؤثر بصورة كبيرة في تكريس مبادئ الاعتدال الإسلامي.. والبعد بهذه الأمة عن التطرف والعنف.. * * كما أن باكستان التي تشهد محاولات قوية من قبل إيران وسواها للتأثير على هذه السياسات المتوازنة.. وإدخال البلاد في تقلبات سياسية ذات أبعاد آيدلوجية ومذهبية.. وبالتالي فإن الوقوف إلى جانبها والتعاون الشامل معها.. وتنميتها هو في صالح العمل الإسلامي المنظم بأبعاده الثقافية والاقتصادية والأمنية والسياسية وبما لا يدع مجالا لغزو ثقافات جديدة لها.. هدفها إحداث انقلاب فيها لموازين القوى وللتحالفات الموضوعية التي تخدم السلام والاستقرار في تلك المنطقة وتحافظ على المستوى الأعلى من التعاون والتنسيق مع المملكة العربية السعودية باعتبارها الدولة الأم.. ومصدر التشريع الإسلامي الحق.. بعيداً عن أية أفكار أو توجهات أو آيدلوجيات أخرى.. أهمية زيارة الأمير سلمان.. * * في هذه المناخات السياسية والثقافية وفي ظل هذا التعاون العسكري والتجاري والعلمي القائم بين البلدين تأتي زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى باكستان تحقيقاً للأهداف التالية: أولا: متابعة التعاون العسكري بين البلدين وتعزيزه وبالذات بعد أن جرى التمهيد لهذه الزيارة بزيارة سمو نائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز في الحادي والعشرين من شهر يناير الماضي 2014م .. وبما ينسجم مع فهم الشراكة الذي كرسه خادم الحرمين الشريفين مع باكستان في جميع المجالات وفي مقدمتها هذا المجال. ثانياً: تدارس الأوضاع المستجدة داخل باكستان.. وبينها وبين جيرانها وبالذات (أفغانستان والهند) ومتابعة ما يمكن أن تقوم به المملكة في هذا الصدد استكمالا للأسس والقواعد التي وضعها الملك عبدالله في زيارته الأخيرة للبلد الكبير باكستان. ثالثاً: تنمية أوجه التعاون التجاري بين كل من الرياض وإسلام آباد وزيادة حجم التبادل التجاري عن (18) مليار ريال سعودي التي بلغها حتى الآن ولاسيما في ظل وجود فرص حقيقية لتنمية التبادل التجاري بين بلدينا.. ومساهمة القطاع الخاص في كل من المملكة وباكستان بصورة أكبر في هذا المجال. رابعاً: الوقوف على حقيقة الأوضاع في منطقة تشهد محاولات قوية للتأثير على الدور الباكستاني الرائد في منطقة مهمة.. من موقعها الإسلامي المتميز.. وبحث أفضل الطرق المؤدية إلى إيقاف المد الخارجي بكل صوره ودوافعه وألوانه إلى المجتمع الباكستاني المسلم.. وبكل تأكيد.. * * فإن هذه الزيارة الهامة تأتي امتداداً طبيعياً لعلاقات متميزة بين بلدين مسلمين تجمعهما قواسم مشتركة عظمى كثيرة قلت عنها يوم قام الملك عبدالله برحلته إلى دول تلك المنطقة عام (2006م): إن الملك عبدالله يريد الإسهام في تغيير الخارطة السياسية ليس بتغيير الواقع الجغرافي.. وليس بالارتهان للأوضاع الأمنية المقلقة.. وإنما بالتكامل وتوظيف الطاقات والإمكانات وبما يؤدي إلى تعاظم المصالح لتكون أقوى من الأزمات والمشاكل البينية المرحلة عبر قرون أو القضايا الجديدة والوافدة إلى هذه المنطقة الحساسة جداً.. قلت هذا الكلام آنذاك.. وتابعت ــ بعد ذلك ــ تنامي وتيرة الاتصالات وأوجه التنسيق الشامل بين البلدين رغم تغير القيادات وتعدد الواجهات السياسية.. ووجدت أن ما بين المملكة وباكستان أقوى من كل الظروف والمتغيرات.. لأن علاقات البلدين ذات أبعاد استراتيجية منبعها العقيدة الواحدة.. ومصبها النهائي هو مصالح الشعبين المسلمين وبالتالي فإنه لا خوف على هذين البلدين.. ولا خوف من كل المحاولات الرامية إلى زعزعة الأوضاع فيهما أو تغير المعادلات التي تحكم علاقاتهما المتميزة مهما كانت الجهود.. والضغوط.. والمحاولات الرامية إلى اختراق سياجهما القوي والمتماسك باستمرار. * * والأمير سلمان بن عبدالعزيز لا يزور باكستان لأول مرة.. وإنما تعتبر هذه هي الزيارة الثانية بعد زيارته الرسمية الأولى في 27/12/1418هـ والتي استمرت حتى 4/1/1419هـ عندما كان أميراً لمنطقة الرياض. * * وهذه الزيارة ــ بكل تأكيد ــ تنطوي على عدة دلالات هامة يرد في مقدمتها: * * (1) حرص المملكة على دعم وتعزيز وتنشيط هذه العلاقات بصورة دائمة. * * (2) استثمار الظروف الحالية التي تشهدها باكستان وتشهد معها مراجعات شاملة وبناءة في تركيبتها السياسية والاجتماعية والثقافية والسياسية للوقوف إلى جانبها وتوسيع دوائر التشاور والتنسيق معها.. ومباركة جهود القائمين عليها لما فيه خير وصالح الشعب الباكستاني الشقيق. * * (3) تطوير أوجه التعاون العسكري والأمني بين البلدين في وقت يتطلب فيه مواصلة العمل على الثوابت التي وضعتها ورسختها زيارة الملك عبدالله لهم في العام (2006م) وهي الزيارة التي أثمرت عنها الكثير من الفوائد في هذا الجانب الحيوي الهام.. * * (4) دعم التعاون التجاري ورفع معدل ميزان المدفوعات بين البلدين بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة في البلد الشقيق ويعينه على مواجهة متطلبات النمو التي يسعى إلى تحقيقها في المرحلة القادمة.. * * وبقدر ما تمثل هذه محاور هامة في هذه الزيارة بقدر ما سوف تضفي من أهمية على زيادة وتيرة التشاور والتنسيق السياسي والدبلوماسي بين البلدين لتوفر ظروف أفضل في الوقت الراهن تساعد على تحرك منظم وتكامل في الجهود من أجل خدمة قضايا الأمن والسلم في منطقتينا.. ولذلك فإن توقيت الزيارة يعتبر مهماً للغاية.. كما أن الزيارة في حد ذاتها جاءت في ظروف أنشطة خارجية لتغيير الأوضاع المستقرة في منطقة لا يمكن تركها ملعباً للمقامرين الجدد بمقدرات الشعوب ومصالحها الحقيقية والزج بها في أتون صراعات سياسية وآيدلوجية لا مصلحة لها فيها.. * * شيء آخر لا يجب تجاهله.. هو .. أن البلدين يتعرضان لضغوط خارجية شديدة.. بعضها ذو صلة بالأوضاع الإقليمية والبعض الآخر يتصل بحسابات القوى الخارجية في منطقة جنوب شرق آسيا وفي الخليج العربي.. وبكل تأكيد فإن العمل معاً .. في مثل هذه الظروف يساهم في وضع الأمور في نصابها ويصحح المسارات والمفاهيم الخاطئة.. ويحتفظ بالحد المطلوب من التعاون مع الغير عبر شراكة قوية وتنسيق محكم بين البلدين من جهة وتعزيز مواقفهما وسياساتهما وتوجهاتهما داخل منظمة التعاون الإسلامي كي تصب هذه الجهود في خانة إحياء مشروع الملك عبدالله لتطوير أداء المنظمة وإعادة هيكلتها والذي تبنته قمة داكار بالسنغال (13 ــ 14 مارس 2008م).. ولم نعد نسمع عنه كثيراً.