×
محافظة المنطقة الشرقية

باخشوين: «سنظهر بصورة مشرفة رغم الفوارق الكبيرة» .. البلوي: «اللعب المفتوح سيساعدنا على أداء مباراة كبيرة»

صورة الخبر

تنتهج الكثير من الجامعات السعودية توسعا حاليا في تدريس القانون لطلابها، بعد أن بقي محدودا لفترة طويلة، حيث لم تؤسَّس كليات القانون في المملكة إلا متأخرا، وكان لهذا أثر كبير في تأخر وضعف تكوين البنية والشخصية القانونية السعودية المستقلة. كنت قد كتبت مقالا بعنوان "كليات قانون الشريعة"، وكانت فكرته تسليط الضوء على حالة الانفصام التي نعيشها في مرحلة مبكرة من التعليم الجامعي بالفصل بين القانون (الذي يطبق في الكثير من القضايا التجارية والمالية والجنائية والإدارية وغيرها فيما لا يعارض الشريعة) وبين الفقه الشرعي، وبالتأكيد فإن هذه الحالة لها تأثيرها الكبير في ضعف التشريعات والمخرجات التي تنتجها هذه المدرسة إلا باجتهاد الأشخاص فرديا بتأهيل أنفسهم! أعود لموضوع القانون وأقول؛ كما أننا بدأنا نتدارك الوضع في التعليم الجامعي (وإن كان لم يكتمل)، فإنه من الواجب تدارك التعليم العام أيضا، حيث يحتاج الطلاب لأن يكون لديهم ولو مجرد أساسيات قانونية يحتاجونها في حياتهم وتعاملاتهم. يجب أن يتعلم الطلاب حاضرهم أكثر من تعلمهم لبعض القضايا المرتبطة بتاريخ ونتاج أزمات التاريخ التي كثيرا ما يتوه الطلاب بينها بلا فائدة! يحتاج الطلاب لمعرفة حقوقهم وواجباتهم القانونية، كما يجب ألا يتخرجوا إلا وهم يعرفون على الأقل أهم أنظمة البلد وكيفية تركيب الدولة وأنظمتها. يجب أن يتعلم الطلاب روح الالتزام بالقانون العام والتضحية لأجل سيادته وتطبيقه، وأن يتشربوا أن القانون ليس إلا لمصلحة المجتمع، يعاقب المخطئ ويمسك بيده إن تجاوز. القانون هو القوة التي من خلالها يمكن إعادة تشكيل مفاهيم الناس وأخلاقياتهم بشكل إيجابي، كما يعبر بذلك بيرك أحد أساتذة القانون الأميركيين. لماذا يتخرج طلابنا من الثانوية العامة وهم لا يعرفون أي شيء عن أنظمة البلد؟ بل حتى النظام الأساسي للحكم لا يعرفون اسمه! لا شك أن تعريفهم بأنظمة البلد يسهم في توعيتهم ومعرفتهم لحقوقهم وواجباتهم النظامية. وللأسف، إن هذه النتيجة ليست مقتصرة على طلاب الثانوية، بل حتى خريجي أغلب التخصصات غير تخصص القانون! بما في ذلك كليات الشريعة التي يتخرج فيها القضاة وكثير من المحامين أيضا، في تكريس لحالة الانفصام الإرادي! القانون هو خلاصة تجارب وحضارة البشر في العصر الحديث، وحداثة قانون أي بلد وتطوره دليل وعي ورقي ذلك البلد وتقدمه. كما أن القانون هو الذي يترجم أفكار وأهداف صاحب القرار وسياسته لتكون نظاما مُحْكما يَنْظُم متفرقات تلك الأهداف والسياسات في شكل نظام يجمعها ويؤلف بينها، ولا غنى لصاحب القرار عن القانوني البارع الذي يجمع بين فهم تلك السياسة والأهداف وبين جودة المَلَكة القانونية. والقانوني المحترف هو الذي يستطيع أن يوازن أيضا بين الأهداف التي يريد ترجمتها صاحبُ القرار في أنظمة بتناسق ومواكبة مع الأنظمة والسياسات الأخرى وبلا تعارض، وأن لا تختلف في أهدافها العامة، وهي مهمة صعبة بلا شك وتحتاج إلى جودة التأهيل، خاصة في هذه المرحلة الإصلاحية والنهضوية التي يشهدها البلد ولله الحمد. هناك دراسات كثيرة حول الترابط بين الإصلاح والتطوير في الدول من جهة، والقانون من جهة أخرى، حيث لا يمكن للإصلاح أن ينجح وينطلق إلا بالبدء بإصلاح عجلة القانون أولا، وكم أتمنى أن يهتم بهذا بعض الجهات ذات الصلة، مثل مجلس الشورى أو هيئة الخبراء في مجلس الوزراء أو الجامعات، حيث بالإمكان إقامة مؤتمرات وندوات حول دور التحديث القانوني التشريعي في جميع أشكال الإصلاح الاقتصادي والقضائي والتجاري وغيرها. وأهمية القانون في دوره التطويري لأي بلد في مرحلة النهضة كمساهمة قواعد البيت التي لا يمكن له أن يتماسك ويستقر ويعلو إلا بجودة وقوة تلك القواعد. للأسف، إنه لا يزال لدينا من لا يؤمن بشرعية القانون فضلا عن أهميته! ولا شك أن هذا بسبب انعزال البعض وتسرعهم في الأحكام قبل تصورها جيدا، ومن الواجب الأخلاقي علينا جميعا أن ننهض بالمجتمع والإسهام في تحديثه وليس وضع الحواجز أمام تقدمه وتحديثه. كما أن بعض القانونيين يرفضون الجمع بين تدريس مواد الفقه الإسلامي وأصوله بين ثنايا القانون، ظنا منهم أنه يخلط بين تخصصات مختلفة في بلد نظامه ينبني على ذلك الفقه نفسه! وللأسف فإن متشددي الطرفين يكرّسون نفس حالة الانفصام التي نعاني منها! وعلى كلٍّ؛ فإن مما يُشكر لمشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث؛ أنه اهتم بدراسة القانون وكثّف الابتعاث في هذا التخصص، وما أحوج البلد خصوصا القطاع الحكومي، للمستشارين القانونيين المؤهلين بشكل جيد، خاصة إذا جمعوا بين القانون والشريعة، آمل أن نرى أثرهم الإيجابي قريبا.