لعل من أبرز ما يميز الميزانية العامة للدولة (ضخ) المليارات للصحة والتعليم. ومن حسن حظنا أن ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ مؤمنون بأن العقل السليم في الجسم السليم، وألا حياة للشعوب ولا ارتقاء للأمم إلا بالصحة والتعليم. فكون التعليم ضعيفاً، أو أن الأمراض متفشية، لا يستطيع أي مجتمع أن ينهض بأفراده..!! من يحمل راية التعليم ويضع المناهج والخطط التطويرية لأي شعب على وجه البصيرة لا بد أن يراعي مسألة الصحة العامة، وخلو هذا المجتمع من الأمراض؛ لكي يتقبل هؤلاء البشر علومهم، ويبدعوا في أفكارهم، ويكونوا خلاقين مفيدين لأمتهم ومجتمعهم.. سلوكيات الفرد تنبع من كونه صحيح الجسيم، سليم القوى، معافَى البدن، خالياً من الأمراض؛ ليستوعب العلم ومفاهيمه، ويطلع على الجديد، ويواكب العصر.. إذاً، هاتان الوزارتان معنيتان بنهضة الأمة.. فشعب غير متعلم جاهلٌ لا ينجح في التنمية، ولا يستوعب الحضارة، ولا يسعى لها.. وشعب مريض لا يجد العلاج اللازم، ويعاني الأمراض، لا يستطيع أن يستمر في الحياة، ولا الكفاح والاستمرار في البحث عن لقمة العيش وتلقي العلوم والتدريب وممارسة العمل والالتحاق هنا وهناك بحثاً عن التطوير..! الغريب في الموضوع، والذي يشد الانتباه، هو الأرقام المهولة المقدَّمة لهاتين الوزارتين (مليارات الريالات)، سنة بعد سنة تزيد.. فلو ألقينا نظرة منطقية وواقعية على ميزانية وزارة الصحة ـ لن أتكلم عن وزارة التربية والتعليم كوننا أشبعناها طرحاً وجمعاً وضرباً ـ لوجدنا كل فترة خبراً صحفياً من الوزارة عن توقيع الوزير عقوداً بمليارات الريالات، لكننا لا نرى واقعاً ملموساً لها. فما زلنا نعاني نقص العلاج، ونقص الأسرّة، ونقص المستوصفات.. فأين هذه العقود الموقَّعة؟ وأين المليارات..؟ فمثلاً، نجد خبراً مثل الآتي (وقّع معالي وزير الصحة ظهر اليوم 30 عقداً من عقود المشاريع الصحية، شملت عدداً من مناطق السعودية، بتكلفة إجمالية تزيد على 4 مليارات ريال.. ألخ). مثل هذه الأرقام تبني مدناً طبية، وليس مجرد مستشفيات هنا وهناك، ولكن..؟؟ جزءٌ يسير جداً مما نسمع ونقرأ من العقود التي وقَّعها وزير الصحة.. ولا يزال المواطن يبحث عن سرير، ويبحث عن أحقية العلاج، وما زالت المواعيد تعطَى بعشرات الأشهر، إن لم تزد، بل إن المواطن أصبح يبحث عن حبة بنادول..!؟ فهل هذه العقود والمليارات مجرد حبر على ورق..؟!! أم أن ((نزاهة)) غافلة..؟ والمواطن لم ولن يغفل، ومن حقه أن يطرح السؤال الكبير..؟؟