هناك مرفهون يستطيعون بسهولة الالتزام بالأخلاق ولا يفعلون، يملكون باصاتهم الخاصة دون الحاجة لركوبة الحكومة، ومع ذلك يهبشون ويسرقون، وهؤلاء ببساطة مرضى، لم تجد الإنسانية المتطورة الطريق بعد إلى عقولهم الغريزية البدائية، هم جزء من جنسنا البشري نتعامل معه، نروضه، نعاقبه، ولا نملك أبداً أن نمحوه. يسهل كثيراً الحديث عن المبادئ والمثل لمليء البطن، لمن يغطي رأسه سقف وينفرد أسفل بدنه لحاف، يسهل كثيراً التفاخر بالأخلاق عندما تتوافر الأموال التي تشتريها، نعم، فحتى الأخلاق تشترى، فحين تكون شبعان لن تسرق وحين تكون آمنا لن تتوحش، ستيسر لك أموالك ورفاهيتك الالتزام بالأخلاق والتغني بالمبادئ والمثل، فكلها رفاهيات يستطيعها الأغنياء ويحرم منها الفقراء، مثلها مثل المأكل والمشرب والحيطان الساترة والدواء المعالج. وعليه، لا تضعي مجوهراتك مكشوفة على الطاولة، ثم تتهمي بها عاملة منزلك، فحتى لو سرقتها ما كانت هي مخترقة لمبدأ الأمانة إنما أنت من اخترق مبدأ العفة، فقد أغريتها بما لا تستطيع رده، وتشدقت أمامها بما لا يمكن لها في يوم أن تمتلكه. وأنت كذلك لا تترك دنانيرك ملقاة على مكتبك ثم تتهم بها البنغالي الذي ينظفه لك، فحتى لو أنه مد يده إليها ما كان هو مخترقا لمبدأ الشرف، إنما أنت من اخترق مبدأ الحصافة، فترك النعمة الحسيرة على غيره ملقاة برعونة وانعدام شعور أمامه. وأنت يا حكومتنا، لا تكومي الناس في باص مفروشة أرضيته بالأموال السائبة ومحشوة أطرافه بالدنانير الوفيرة، باص يسوقه مجموعة من السواقين المتهورين حتى يرى الناس بأم أعينهم اقتراب ركوبتهم من السقوط في واد عميق، ثم إذا ما مد كل يده يهبش هبشة ويقذف نفسه من الركوبة الانتحارية، ظهر سواقك في الإعلام يتحدثون عن أمن وأمان البلد، وعن اليد الحديدية التي سيقودون بها الباص المهيب. ليس لك أن تسهلي وتتساهلي ثم تعدي المتساهلين بصنوف العذاب، ليس لسواقك أن يهبشوا ويقفزوا من الباص ثم تعيبي على من يحذون حذوهم. الأجدر أن تكوني ما تعظين به، والأحق ألا تتركي الأموال السائبة أمام أناس يتسارع باصهم نحو الهاوية، فخيارهم الوحيد أن يحملوا ما يستطيعون ويقفزون، أنت صنعت هذا الخيار، أنت حددت هذا المسار. ونعم هناك مرفهون يستطيعون بسهولة الالتزام بالأخلاق ولا يفعلون، يملكون باصاتهم الخاصة دون الحاجة لركوبة الحكومة، ومع ذلك يهبشون ويسرقون، وهؤلاء ببساطة مرضى، لم تجد الإنسانية المتطورة الطريق بعد إلى عقولهم الغريزية البدائية، هم جزء من جنسنا البشري نتعامل معه، نروضه، نعاقبه، ولا نملك أبداً أن نمحوه، ولكن يبقى على الأغلبية منا غير السيكوباتيين والمرفهين نسبياً أن يلتزموا بالأخلاق التي بها يفاخرون وألا يقسوا على من لا يمتلك ثمنها ولا يستطيع التمتع برفاهية التفاخر بها، فكلنا سيمتحننا القدر بهذه الأخلاق، وكلنا سنعجز في لحظة ما عن سداد ثمنها.