نوف الموسى (دبي) كيف لم نسأل فناناً أو مثقفاً أو عفريتاً حتى، ألم ترقص يوماً؟! نقصد الرقص بمعنى الرقص، تلك الحركة العفوية للجسد وهو يحاول خلالها محاكاة حس ما، وهو شيء أقرب إلى الإيماءة الفنية، كما تفعل كل نساء العالم أمام المرآة. ألا يخطر في بال الصحافيين في الكتابة الثقافية، أن مهمتهم الأساسية هي إعادة الحس بالبهجة عبر تجول الرقص في الأعمال الأدبية والفنية بكونه منهج الحياة في تمركزها الكوني التام؟. كل شيء تقريباً يرقص، عدا الإنسان، الذي تناسى ذلك تماماً، والدليل هو التدنيس الصارخ للروح عبر إغراقها في الحروب! لا يمكن أن تقنع روحاً مليئة بالفرح والرقص بأن تقتل نفسها أو تقتل غيرها! استحالة أن يترك الحُب، بهذه السهولة، ففي الرقص يتولد شعور مليء بالنشوة، وفيه تتعلم حس المشاركة الفَطِنة، هل مر عليك يوم شاهدت فيه أحداً يرقص، بكامل حضوره، ولم يُسعده ذلك؟ إن التنويه عن أشكال الرقص وتجلياتها في الحياة، يمثل تأملاً لأجمل ما جسدته الطبيعة الراقصة، ويساهم في اكتشاف من استطاعوا خوض تلك التجربة، لا سيما الراقصين والمغنين الملهمين حول العالم. فالجلوس مرة، بين جمهور مسرح الفنانة خوانا سالازار، تلك المغنية والراقصة القادمة من عائلة غجرية، وهي تثريك بصوتها وحركتها على المسرح، على طريقة إشبيلية، تُعد خطوة ضرورية للفت الروح تجاه العمق المتجلي في الرقص. فما يحدث، فعلياً، هو ذوبان كلي للصوت في الرقصة، وإثراء للحس والانصات التام.. فالفنانة تمارس الرقص بطقوسية لافتة، تتبدّى في حركات يديها وقدميها وهما ترتفعان إلى الأعلى أو تعودان بمرونة غير عادية إلى خشبة المسرح، لينطلق صوتها مجدداً في الصعود، بقوة موسيقى الفلامنكو، حيث تتغنى بكلمة «OlE – أولي»، تلبيةً للإيقاعات الإسبانية عبر آلة الجيتار. يقال إن لصوت الفنانة خوانا ضوءا يتمازج مع شغفها بالفلامنكو، ويقال أيضاً إن للطاقة الموسيقية ذبذبات من الشغف تنتقل بين فعل الرقص والراقص والرقصة والصوت والأغنية والجمهور، وجّل ما يحتاجه المتذوق للرقصة، هو أن يصاب بتلك العدوى الفنية، ويستعد لاقتحام شغفه! قد يتساءل الكثيرون، ماذا نعني هنا بالرقص وتمازجه الروحي، فلقد شوه المعنى لسنوات طويلة، والإجابة تكمن في اكتشاف كل إنسان رقصته الخاصة دون أُطر وآليات محددة، بل البحث في الذات، أو في ما هو أعمق من الذات أيضاً، حتى يصل إلى إجابته المتفردة، فالثقافة بمجمل سحرها، عبارة عن أسئلة ومكاشفة وعرض للخيارات الحياتية عبر الدعوة الفعلية للرقص، والسبب أن في الرقص يحدث شيئان: أولهما، تتسع فضاءات روح الإنسان الذي تزدان به مساحة الحب، وثانيهما، تبدأ «أنا» الإنسان بالتلاشي، لتبقى الرقصة هي من تعبر عن الحياة.