[ لظرف غير اعتيادي اضطررتُ للخروج عصراً من المنزل، وبعد صلاة العصر مباشرة، لمشوار لا يزيد على ساعة.. طريق المدينة النازل من بداية شارع صاري إلى بداية شارع ولي العهد يعيش ببطء، والمتأمل لحركة السير سوف يلاحظ أن قائد كل سيارة مرابض في مكانه ويفكر في شيء واحد فقط هو، متى يتحرك هذا الطريق المتوقف؟ طريق المدينة للمعلومية ليس به إشارات، ومع ذلك تتوقف فيه لفترات طويلة والسبب الازدحام الذي أصبحت مدينة جدة من أشهر المدن التي من الممكن ان تعيش فيها في سيارتك منتظراً الوصول إلى المكان الذي تريده. وصلت مشواري، وأخذت ما أريد بسرعة وعدت إلى السيارة عند حوالي الخامسة والنصف. لم يحرك السائق ساكناً، ولم أنتبه لماذا؟ بعد دقائق سألته لماذا لم تتحرك قال: أحدهم أغلق علينا الطريق بالعرض بسيارته، طلبت منه أن ينزل، قال مدام: فيه حرمة في السيارة وأطفال لكن السائق غير موجود اضطررت لفتح باب سيارتي والنزول لمعرفة ما يجري، طلبت من الطفل الجالس في المقعد الأمامي أن يتصل على السائق، أو من معه من أجل ان يأتي ونخرج نحن، ببرود قال الطفل الذي كان عمره لا يتجاوز العاشرة أو عاماً: أبوي راح يجيب فول وتميز من هناك.. طلبت منه ان يذهب إليه لأننا نريد أن نصل إلى منزلنا وهو بعيد.. المرأة في المقعد الخلفي تستمع إلى الحوار صامتة، ولم تحاول ان تقول إنها سوف تتصل عليه، أو تطلب منه إخراجنا من هذا المأزق، تحرك الطفل ببرود منطلقاً إلى والده الذي لا اعرف أين؟ واختفى، بعد دقائق عاد ولم يتوقف ليقول ماذا هناك؟ ناديته: قال صبر ابوي بعد شوية يجي.. قلت له وأنا أحاول ان أضبط أعصابي على آخرها: ألم تقل له إننا حريم ومعطلين، وهو من عطلنا.. لم يهتم الولد.. أعطاني ظهره وهو يقول: صبر صبر.. جاي.. وبوجه متجهم.. وصعد سيارتهم وأغلق الباب! السائق قال مدام فيه سيارة شرطة ورانا ممكن نكلمه، أو أعلق كلكس السيارة أو البوري من أجل ان يسمع ويحضر، استبعدت الثاني، والتفتّ إلى سيارة الشرطة المتوقفة أيضاً بالعرض، لأجد من يركبها بيده القول والتمييز، ربع ساعة أو أكثر مرت وأنا ووالدتي نبحث عن السائق المجهول، وتداعيات الصورة أمامي، تذكرت الحديث القدسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مر رجل بغصن شجرة على ظهر الطريق فقال: والله لأنحيّن هذا عن المسلمين لا يؤذيهم، فأدخل الجنة) رواه مسلم. ما قام به هذا الشخص أذى والرسول صلى الله عليه وسلم قال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والأذى وإن كان يعرّف بأنه اجتناب كل ما يؤذي الإنسان قولاً وعملاً في بدنه، أو شرفه أو دينه، إذن ما قام به هذا المسلم يدخل في هذا الإطار، كون الإسلام نهى عن اعاقة المارة وعدم الوقوف أمام استعمالهم الأمثل للطريق، وفعل هذا الشخص هو إعاقة وتعطيل مصالح. في سياق تحليلي لوالدتي التي لا ذنب لها، والتزامي حدود ضبط النفس القصوى خاصة أننا في رمضان وصيام، حضر الشخص المطلوب قادماً بالفول في يده، شخص أربعيني، عبر من جانب سيارتي دون أي اعتذار، أو حتى تأسف، اتجه لسيارته وغادر.. هل هذه صفات المسلم الحقيقي؟ هل هذا هو ما ينادي به هذ الدين السمح؟ أم أننا نلتزم بالمتظاهر على حساب الجوهر، والمضمون، حاولتُ ان أنقل الصورة كاملة ولا يعتقد أحد أنها تختص بمن ارتكب الأذى، ولكن صورة ذلك الشخص لا تعكس سلوكه، أو ما ينبغي أن يلتزم به تجاه الآخرين الذين هم جزء من الطريق. خاصة انه عرف من طفله أن هناك نساء في سيارة وهو يغلق الطريق، ولم يحرك ساكناً. أخلاقيات المسلمين الحقيقيين هي الصورة الأصيلة للإسلام الرائع الذي من مبادئه وقيمه (كف الأذى عن الطريق).. وكفاكم الله شر الأذى، أو أن يغلق أحدهم عليكم الطريق..