قد يستغرب المراقب القرارات التي تتخذ في هوليوود، فهي توحي بالتجديد لكنها مقلوبة، أو كما ذكرنا في هذه المساحة سابقاً هناك «خلط للأوراق» لا يتقنه أحد سوى العاملين في السينما هناك، فقد كان لقرار تأنيث بطولة فيلم «مطاردات الأشباح» Ghostbusters ردة فعل حساسة جداً من قبل عشاق الفيلم الأصلي (الإمارات اليوم 19 يوليو). واليوم نحن نشهد المراحل الأولى من عهد جديد لهذه النزعة، قد يقول البعض إن جينيفر لورانس قادت بطولة أفلام ألعاب الجوع وكانت بطولة نسائية بامتياز، وشيلين وودلي قادت بطولة سلسلة «دايفرجنت» المقلدة لأفلام ألعاب الجوع والأقل في المستوى، لكن الذي نشهده اليوم لا يشبه المثالين المذكورين، وإنما قلب كامل للمعادلة، وتأنيث البطولة بعد أن كانت للرجال. هوليوود ربما تشعر بالذنب وتريد رد الجميل للنساء، خصوصاً بعدما أثبتت الأرقام أن أكثر من نصف مرتادي صالات السينما في الولايات المتحدة الأميركية من النساء، فقررت تأنيث البطولات من باب أن السينما تعكس المجتمع، لكن الحقيقة التي تتجاهلها هوليوود مراراً وتكراراً تتمحور حول موضوعات ونوعيات الأفلام الذي تدفع النساء لمشاهدتها، وتلك الحقيقة التي قد تكون صادمة للقارئ تقول إن أعداد النساء مثلاً هناك فاقت الرجال لمشاهدة ليام نيسن في فيلم «Non-Stop»، وهو فيلم محسوب على سينما «االسياسة + الفنون القتالية». لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. • هذا فيلم عن ثلاث أمهات غاضبات «وثلاثة رجال مهمشين»، كتبه وأخرجه رجلان! كيف ستكون النتيجة لو تولت النساء كتابة وإخراج هذا الفيلم أو فيلم آخر شبيه؟! أسلوب جامح الفيلم لا يفتقد الجانب الملهم، فهو يريد أن يشير إلى إمكانية التغاضي عن العيوب (عيوب الأمومة)، لكن أسلوبه الجامح في عرض الفكرة يرسل كل الإشارات الخاطئة! فكيف تترك الأم بيتها عندما تغضب لتذهب لحضور حفلة! وهذا بالضبط ما يجعل الفيلم يصل إلى نهايته خالي الوفاض؛ لأن كل ما نشاهده هو مشاهد لأمهات نحن نعلم أنهن صالحات في داخلهن لكن سلوكهن مضطرب! وتلك المرحلة المضطربة هي التي توصلهن للقناعات الجديدة عن أنفسهن في النهاية. المهم أن «Bad Moms» أو «أمهات سيئات» ليس في النهاية سوى النسخة النسائية من سلسلة أفلام «The Hangover»، وذلك ليس حدساً وإنما حقيقة كون كاتباه/مخرجاه جون لوكاس وسكوت مور كتبا تلك السلسلة وآثارها واضحة جداً بطول هذا الفيلم وعرضه. أيمي (الأوكرانية ميلا كونيس - المتعافية من إخفاق فيلمها جوبيتير أسيندنغ العام الماضي)، امرأة متزوجة ولديها طفلان وتشعر بالتوتر الشديد من أسلوب حياتها وكثرة التزاماتها، فهي مندوبة مبيعات لشركة قهوة وتهتم بإطعام طفليها وتساعدهما على أداء فروضهما المدرسية، وعضوة نشطة في مجلس الآباء والمعلمين في مدرستهما الذي تديره وتهيمن عليه غويندولين (كريستينا آبلغيت - في دور يذكر كثيراً بدورها في أفلام أنكورمان)، وأتباعها ستيسي (جادا بينكت سميث) وفيكي (آني مومولو). أيمي تكتشف أن زوجها يعرف امرأة أخرى عبر شبكة الإنترنت، فتقرر طرده من المنزل والمحافظة على حياتها دون وجوده معها. وبعد يوم حافل ومتوتر في مجلس الآباء والمعلمين تختلف فيه أيمي مع غويندولين على خطة ما، تقرر الأولى الانسحاب من المجلس وتذهب إلى مطعم مجاور، حيث تتعرف إلى كارلا (كاثرين هان)، أم مهملة غير ملتزمة بشيء، وكيكي (كريستين بيل) المطيعة لزوجها والمهتمة ببيتها وأطفالها الأربعة. كارلا وكيكي تتفقان مع أيمي على أن غويندولين لا تستحق رئاسة المجلس، وتتفقان على وضع أجندة للإطاحة بها، وفي الوقت نفسه تقرران التمرد على أسلوب حياتهما. يرتكز الفيلم على عنصرين: الأول قصة أيمي والثاني شخصية كارلا، والفيلم مشتت بينهما لكنه يضطر لمسايرة قصة أيمي الفاترة والتقليدية، كونها محور الفيلم الرئيس! شخصية كارلا متمردة على النظام أو فلنقل أسلوب حياة الأم التقليدي حسب ما يصور الفيلم، والممثلة كاثرين هان تتمتع بكاريزما غير طبيعية (بإمكاننا أن نطلق عليها ميليسا مكارثي رقم 2)، وتطغى بالكامل على المشاهد التي تظهر فيها مع ميلا كونيس، ولا يكاد المشاهد يندمج معها إلا أن المخرجين يعودان إلى فتور أيمي! ميلا كونيس ممثلة شابة وكل أدوارها تقريباً في فلك الفتاة الرومانسية، لكن دور الأم كبير جداً عليها ولم تحسن التعامل معه جيداً رغم تفاعلها الرهيب مع هان وبيل. مشهد الفوضى في الـ«سوبرماركت» المصنوع بطريقة المونتاج السريع جعلته يظهر بصورة كارتونية أو هزلية، هو أفضل تجسيد لأسلوب المخرجين لوكاس ومور الذي شاهدناه في أفلام The Hangover، وقد لا يكون من أفكارهما كونهما كاتبي ذلك الفيلم ولم يخرجاه. المشهد يوحي برغبة الأمهات الثلاث الجامحة في التمرد على رتابة الحياة الزوجية والتزاماتها والعودة إلى صبيانية المراهقة، ونلمس ذلك من خلال الأغنية المستخدمة لفرقة آيكونا بوب (الأغنية نفسها استخدمت للتعبير عن الفتاة المراهقة المتمردة في فيلم 3 أيام للقتل). المشهد المذكور آنفاً رسم صورة مبكرة للشخصيات، فعلمنا اتجاه الفيلم وأنه لا يريد إعطاء شخصياته العمق المطلوب. كما يحوي الفيلم مشهداً تحضره كريستينا بيل للسخرية من ملابس أيمي وهو يشبه تماماً مشهد من فيلم «ذا بوس»، شاهدناه مطلع العام الجاري كان يسخر من ملابس بيل! وفي الحقيقة أصبح استنساخ المشاهد للممثلة نفسها إحدى علامات التفنن في هوليوود هذه الأيام. يحمل الفيلم موضوعات جادة ومهمة كان من الممكن استثمارها بطريقة أفضل كموضوع استحالة الجمع بين الأمومة الصالحة والوظيفة والتزامات الحياة في هذا الزمن، لكن رغبة لوكاس/ مور تطغى مجدداً للابتعاد عن الجدية والانغماس أكثر في الكوميديا، ما أفقد الفيلم توازنه في أكثر من موضع. والكوميديا المذكورة ليست عادية بل هي توظف الجرأة على حساب الأصالة. نتيجة انعدام التوازن تؤثر كثيراً في شخصية أيمي التي لا تبدو مقنعة عندما تتغير نتيجة تفاعلها مع أحداث السيناريو، أو بكلمات أخرى تغيرها يظهر مقحماً أكثر من عفوي. الخطاب الذي تلقيه أيمي في النهاية مبتذل جداً لكنه يصلح جزءاً في فيلم غير هذا يكون أكثر جدية ويعرض المشكلة بصورة عقلانية. جادا بينكت سميث (زوجة ويل سميث) ممثلة موهوبة جداً، وكانت من أعلى الممثلات أجراً في هوليوود منتصف العقد الماضي، لكنها هنا ضائعة لا تعلم ماذا تفعل، هي أقرب إلى كومبارس! أما كاثرين هان فبالتأكيد تستحق فيلماً وحدها. ونتساءل: هذا فيلم عن ثلاث أمهات غاضبات «وثلاثة رجال مهمشين» كتبه وأخرجه رجلان! كيف ستكون النتيجة لو تولت النساء كتابة وإخراج هذا الفيلم أو فيلم آخر شبيه؟!