أظهرت تطورات الساعات الأخيرة في لبنان أن رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، قد أكمل الغطاء الدولي - الإقليمي لترشيحه، لكنه لا يزال ينتظر تذليل العقبات الداخلية لإعلان فوزه بمنصب الرئيس اللبناني وملء الشغور في موقع الرئاسة الأولى المستمر منذ 25 مايو (أيار) 2014. وأمل أحد الوسطاء الذين يعملون على الملف أن تنجح المساعي الحالية في تأمين مستلزمات انتخاب فرنجية قبل الـ16 من الشهر الحالي، وهو الموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري للجلسة الجديدة للانتخاب بعد فشل عشرات الجلسات الأخرى التي دعا إليها بري منذ ما قبل الفراغ الرئاسي، مشيرا إلى مؤشرات إيجابية في هذا الملف، رغم أن التصلب لا يزال السمة الأبرز لمواقف القيادات المسيحية المعترضة، خصوصا رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بينما تحدثت مصادر أخرى عن «ليونة ما» في موقف «الكتائب» أو «تصلب أقل» في هذا المجال. وأكدت المصادر أن مبادرة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لترشيح فرنجية، المعروف بصلاته القوية بحزب الله والنظام السوري، التي أتت وفق «اتفاق» على معالم المرحلة المقبلة، حظيت بمباركة دولية واسعة، خصوصا من قبل الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، بالإضافة إلى مباركة إقليمية هامة من السعودية التي لخص السفير السعودي علي عواض عسيري موقفها بأنها «تبارك الترشيح ولا تتبناه». وقال السفير عسيري لـ«الشرق الأوسط» إنه باشر تحركا في اتجاه القيادات المسيحية من أجل «تقريب وجهات النظر»، وأكد عسيري أنه «انطلاقا من حرص السعودية على الوضع اللبناني، فإنه يدعو القيادات اللبنانية إلى عدم تفويت الفرصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مشددا على أن السعودية باركت المبادرة لانتخاب فرنجية «حرصا منها على ملء الفراغ الرئاسي في لبنان المستمر منذ أكثر من عام ونصف العام، وبات يشكل خطرا على الاستقرار اللبناني في جميع الاتجاهات». وأوضح أنه أبلغ رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الذي التقاه أمس حرص السعودية على لبنان، وعبر له عن ضرورة إجراء حوار مسيحي - مسيحي بناء، وعدم تفويت الفرصة الحالية». وأعلن عسيري أنه هناك «خوف من السعودية على الوضع اللبناني، ولهذا تسعى مساعدة القيادات اللبنانية على اتخاذ القرار بحماية لبنان في ظل الأوضاع المتفجرة في المنطقة التي تتهدد لبنان جديا إذا لم يتم تحصين وضعه الداخلي، بدءا بانتخاب رئيس للبلاد». وفي تصريحات أدلى بها عسيري بعد زيارته الجميل أمس، قال السفير السعودي إن «دورنا هو تشجيع الفرقاء ليجتمعوا ويجدوا أرضية مشتركة للوصول لحل، ونحن حريصون على ملء الفراغ بأسرع وقت ممكن»، مشددًا على أن «السعودية لم تسمِّ ولن تسمي أي شخص وتفرض على اللبنانيين أي مرشح رئاسي، واللبنانيون أحرص من غيرهم ويعرفون من يستحق هذا الموقع، نحن باركنا هذه الخطوة برغبتنا في أن يكون هناك دور للمسيحيين في هذا الإطار والإخراج، وما بقي هو الحوار المسيحي - المسيحي ليتشارك المسيحيون همومهم، ونحن حريصون على ملء هذا الفراغ وإنقاذ المؤسسات الدستورية والوضع الاقتصادي يحتاج وجود رئيس في لبنان»، مؤكدًا: «لا نفرض شروطا نحن نتمنى أن نرى جهودا خيرة لبنانية وبالدرجة الأولى مسيحية للتوافق على هذا الرئيس. المبادرة لبنانية - لبنانية وليست سعودية، ونشجع أن نرى نتيجة للحوار الذي يجري الآن». وشدد عسيري على أننا «لن نتدخل في التجاذبات السياسية اللبنانية ما دام الشخص لبنانيا واللبنانيون اختاروه لن نتدخل بهذا الأمر، ونحن نميز بين الرئاسة والصداقات الشخصية، «في رد على سؤال لأحد الصحافيين عن صداقة فرنجية بالرئيس السوري بشار الأسد». وقالت مصادر لبنانية متابعة للملف إن ثمة عقدتين أساسيتين تمنعان حتى الساحة التوافق على فرنجية، فالرئيس السابق للحكومة سعد الحريري لديه مشكلة مع حلفائه في «14آذار» وفي مقدمهم سمير جعجع، بينما المشكلة الأكبر هي بين حزب الله والنائب ميشال عون الذي يبدي تصلبا شديدا في هذا الموضوع. وأكد المصدر أن انتخاب فرنجية يحظى بقبول إيراني وقبول من حزب الله الذي لا يزال ممتنعا عن اتخاذ موقف بسبب ما أسماه المصدر «إرباك» الحزب في التعاطي مع عون. وقد باشر الحريري جملة اتصالات مع حلفائه المسيحيين في قوى «14آذار» للتباحث معهم في الملف، ولإطلاعهم على إطار الاتفاق الذي توصل إليه لترشيح فرنجية. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاق يتمحور حول بندين أساسيين: أولهما كيفية حماية لبنان من تداعيات الانفجار الحاصل في المنطقة، وتحديدا في سوريا. أما الإطار الثاني فهو تسيير عمل الدولة اللبنانية المصابة بشلل كبير في معظم أطرافها. ونفى المصدر وجود توافق على قانون انتخاب، معتبرا أن أي قانون انتخاب لا بد من أن يحظى بتوافق الجميع، وأن لا يهدف إلى إقصاء أي فريق من الفرقاء اللبنانيين. والتقى الحريري أمس في باريس وزير الاتصالات بطرس حرب الذي قال إنه بحث مع الحريري في ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية وظروفه وفيما يجب توفيره من ضمانات لكل اللبنانيين في إطار عدم تكريس انتصار فريق على آخر»، موضحًا أن «قضية رئاسة الجمهورية ليست قضية أشخاص بقدر ما هي قضية برنامج وتصور وتوجه والتزام بالمبادئ الوطنية والسيادية التي نناضل من أجلها». وفي المقابل، يؤثر جعجع الصمت والعمل بعيدا عن الأضواء، كما قالت مصادره لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «الوقت للعمل وليس للكلام الآن»، مما يوحي باستمرار الخلاف مع الحريري في هذا الملف، خصوصا أن مقربين من جعجع أكدوا أنه «لا يوجد مخططات للقاء بين الرجلين». وقال النائب في كتلة «القوات» أنطوان زهرا أمس إنه «لا يوجد تخطيط لاجتماع مباشر بين الرجلين»، معتبرا أن «التشاور قائم في كل ما يجري خاصة بعد الفكرة الجديدة التي سمعناها، وقد بدأنا نتعود على الإبداع في التسميات من حكومة ربط نزاع إلى رئيس تسوية». واعتبر زهرا أن «الموقف ليس من الوزير فرنجية كشخص، ونحن نعتبره مرشحا طبيعيا، والموقف الذي لم يأخذ بعد في القوات لا تأييدا ولا رفضا يبنى على أساس المشروع السياسي والجواب على الأسئلة الجوهرية الأساسية بشأن تحييد لبنان ودور حزب الله والسلاح والأزمات الإقليمية». وردًا على سؤال حول ترشيح رئيس تيار «المردة» من قبل رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، شدد الراعي على أن رئيس الجمهورية لكل اللبنانيين، والقرار لبناني لا مسيحي فقط، مشيرًا إلى «إننا نريد رئيسًا لكل لبنان ونحن نطالب دائمًا بأن يشارك النواب في الجلسات وانتخاب الرئيس الذي يريدونه». وفي ضفة «8آذار» لا يزال حزب الله ملتزما الصمت حيال ترشيح فرنجية، ذكرت وكالة الأنباء المركزية اللبنانية أنّ اجتماعًا سيعقد بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية خلال الأيام القليلة المقبلة، وأنّه تم الاتفاق على موعده خلال اللقاء السريع بين الرجلين على هامش زيارة التعزية. وأشارت المعلومات إلى أن الاجتماع سيكون على جانب من الأهمية يفترض أن تتضح في ضوئه كل المواقف وتوضع النقاط على الحروف. وفي الإطار نفسه، أوحى البطريرك الماروني بشارة الراعي، أمس، أنه متجاوب مع المبادرة، قائلا: «حيينا المبادرة لأننا نطالب منذ زمن كل القوى السياسية بإطلاق المبادرات»، معربًا عن أمله في أن يُفتح الباب إلى التشاور والتوافق. وأعلن الراعي أنه سيتواصل مع كل المعنيين من أجل الخروج من أزمة الفراغ الرئاسي، لافتًا إلى أن نتائج هذه الأزمة معروفة على صعيد تعطيل المؤسسات الدستورية، موضحًا أنه سيستمع غدًا إلى النائب فرنجية خلال لقائهما وسيتحدث مع كل الأفرقاء المسيحيين والمسلمين، مضيفًا: «يجب أن نسمع الجميع ونحن يهمنا أن يكون هناك توافق ونصل لخير لبناني».