بطبيعة الحال، نحن في المملكة مع استقرار تركيا وضد الانقلاب العسكري فيها. فتركيا على الرغم أنها لم تقف معنا في اليمن إلا أن بيننا وبينها تفاهمات حول سوريا ورعد الشمال. مع ذلك نقول إنه من المثقِّف أن نعلم ما الذي حدث في يوم الجمعة 15 يوليو والسبت الذي تلاه. الذي حدث هو أن الانقلابيين حرصوا على الاستيلاء والسيطرة على مراكز القوى في العاصمة وعلى التليفزيون الرسمي لكنهم تركوا أردوغان نفسه حرّا طليقا حيث كان يقضي إجازته في مدينة بودروم، هذه هي غلطتهم التي قتلتهم. كما أنهم اعتمدوا بشكل كبير على القوات الجوية فبقيت الطائرات تحلق على ارتفاع منخفض في السماء حول أنقرة وإسطنبول، لكن سرعان ما تبين لهم أن السيطرة على الأجواء لا يعني بتاتاً السيطرة على الأرض، بل تبين أنها قليلة الأهمية جداً. ثم هناك غلطة أخرى هي أن قادة الانقلاب وهم المسيطرون على الجو، لم يمنعوا أردوغان من الهبوط في مطار أتاتورك الدولي بعد رحلته القادمة من بودروم والإعلان عن نفسه في قلب الحدث والسيطرة. هذه الجزئية تبقى مشكلة. لكن عندما وصل أردوغان إلى المطار كان هناك عدد كبير من الأنصار في استقباله وهكذا بدأت عملية استعادة إسطنبول وأنقرة من الانقلابيين والباقي تعرفونه. ما أود أن أقوله إننا بكل أمانة نتمنى لتركيا أن تعيش في سلام ورخاء بعيداً عن ويلات ونيران الحروب التي تكتوي بها معظم البلدان العربية اليوم، كما نتمنى لإخوتنا الفرج. لكن لا بد أن يعرف أهلنا في المملكة خصوصاً أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه أردوغان هو حزب علماني براجماتي بوصلته هي المصلحة الوطنية التي تعلو على أي شيء آخر، بما في ذلك الدين. لكن لو أمكن تحقيق المصلحة الوطنية عبر وسائل إسلامية لا تسيء إلى صورة تركيا الأتاتوركية العلمانية أمام الاتحاد الأوروبي والعالم، فلا بأس باستخدام تلك الوسائل، ولا بأس بشيء من البروباغاندا التي ستقوم بها جماعة الإخوان المسلمين الخاضعة لحزب العدالة والتنمية لتجميل صورة تركيا وكسب مزيد من الأتباع في العالم العربي، فقد يكون هناك حاجة لهذه الجماهير فيما بعد. ليس صحيحا البتة، ما يردده بعضهم من أن الحزب يحاول أن يتطهر من العلمانية العميقة التي أسسها أتاتورك، فأردوغان لا يملك أدنى رغبة في معاداة أتاتورك بل صرّح في مناسبات بأنه ابن وفي مخلص لأتاتورك. هذه الرغبة في التطهر من العلمانية موجودة في أذهان محبي أردوغان من العرب لكن من الواضح أنها ليست في ذهنه. فقد حكم أردوغان تركيا لمدة 14 سنة الآن ولو كانت هناك رغبة حقيقية للتخفف من النمط العلماني للعيش، لرأيناها. من أبسط الأمثلة على ذلك أن معظم الدول العربية تمتنع عن تقديم المشروبات الكحولية في نهار رمضان، أما تركيا فتقدم هذه المشروبات في كل مطعم صغير وكبير وفي كل مقهى على الناصية، لأنها ببساطة لا ترغب في إغضاب خمسة ملايين سائح روسي من أجل بضع مئات الألوف من العرب. الشيء العجيب ليس تركيا، فلكل دولة خياراتها وهي مسؤولة عنها، وإنما العجب العجاب هو الأعداد الغفيرة من السعوديين الذين اندفعوا بعواطفهم الكاملة مع تركيا برغم أن المعركة بين طرفين كلاهما إسلامي! ولو أنك سألت أحدهم عن آخر مستجدات الحرب التي تخوضها بلاده في اليمن لحك رأسه طويلا، ولما علم كيف يجيبك!