منذ اللحظات الأولى التي تواردت فيها الأنباء عن وجود انقلاب عسكري في تركيا، انشغل الرأي العام العربي بمتابعة تطورات الأحداث أولاً بأول على شاشات الفضائيات مباشرة أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. انقسم المتابعون العرب إلى صنفين: قسم لم يُخفِ شماتته وفرحه بالانقلاب، وقسم آخر وهو الأكبر في نظري، فجعه الخبر وأخذ بالدعاء لتظل تركيا ورئيسها سالمين من الانقلاب المفاجئ. إلا أن قنوات فضائية بعينها بدت وكأنها قد استوثقت من المشهد التركي ونجاح الانقلابيين، فأظهرت انحيازها السافر لهم، وراحت تتحدث عن مستقبل تركيا وكيفية تعامل الحكومة المقبلة مع الأحداث والسياسة الخارجية، حيث تبارى مقدمو برامج ما يعرف بـ"التوك شو" المصرية في انتقاء عبارات السعادة والفرح في خروج صريح عن الحد الأدنى من المهنية الإعلامية المتعارف عليها، والتي تلزم "القائم بالاتصال (الإعلامي) بالحياد، سواء كان صحفياً أو مذيعاً أو كاتباً. عند حدوث أي انقلاب عسكري هناك أبجديات يتم التعرف بها على نجاح الانقلاب أو فشله، من بينها الإعلان عن اعتقال رؤوس النظام وقياداته، وهي الخطوة الأولى التي يمكن أن تعطي مؤشراً على نجاح عملية الانقلاب، وهذا ما لم يحدث في الحالة التركية، فقد خرج رئيس الوزراء علي يلدريم في ساعة مبكرة من الأحداث، بتصريحات أكد فيها أن هذا العمل قادته مجموعة صغيرة من الجيش، وأن الحكومة على رأس عملها وتتصدى له.. هذا التصريح المهم لم يجد أي اهتمام يذكر من قِبل الفضائيات المصرية التي كانت تعيش في أجواء غير مسبوقة من البهجة والشماتة، دفعتها إلى فتح المجال للجمهور كي يعبر عن شعوره بسقوط أردوغان! كما وقعت فضائيات عربية أخرى في فخ الانحياز الواضح لجماعة الانقلاب، فأخذت تنشر أخباراً عاجلة عن مصادر مجهولة تفيد بطلب الرئيس أردوغان اللجوء السياسي لألمانيا، وعن إحكام الانقلابيين السيطرة على مقاليد الأمور على المرافق المهمة في الجمهورية التركية. بدت الحسرة واضحة على وجوه الكثير من المذيعين ومقدمي البرامج في أعقاب التطورات التي جرت بعد ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إحدى الفضائيات، مستخدماً تطبيق "فيس تايم"، واستجابة جموع الشعب التركي لندائه لهم بالنزول إلى الميادين والساحات للدفاع عن الديمقراطية ومواجهة الانقلابيين الذين توعدهم بأشد العقاب. تابعت تعليقاً متهكماً من أحد المذيعين قال فيه: "أردوغان يلجأ إلى الشعب يبدو أنه قد فقد السيطرة"، وهذا يجعله بالطبع غير محايد ولا مستقل في تغطيته لتلك الأحداث.. كما نشر عدد من الناشطين على موقع "اليوتيوب" فيديو لمذيعة بإحدى القنوات الشهيرة تقول فيه: "محاولة الانقلاب تم إحباطها للأسف!"، قبل أن تستدرك قائلة :"الحمد لله والشكر". بخلاف الفضائيات، كانت الكثير من الصحف المصرية وصحيفة خليجية قد حسمت الأمر وصدرت بمانشيتات تؤكد أن الجيش التركي قد سيطر على البلاد وقام بعزل الحكومة والرئيس أردوغان، وهي سقطة ما بعدها من سقطة، إذ إن القراء طالعوا صبيحة السبت هذه الصحف والأوضاع على الطبيعة قد تغيرت بنسبة 100%، بعد ما أعلن أردوغان وعدد من مسؤولي حكومته انتهاء الانقلاب وفشله. يمكن القول إن وسائل الإعلام التي وقعت في فخ التحيز والشماتة كانت تتمنى وتتعجل سقوط النظام التركي لدرجة لم تتريث ولم تراعِ للقواعد المهنية في حدودها الأدنى التي ينبغي على كل ممارس لمهنة الصحافة والإعلام أن ينضبط بها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.