×
محافظة المنطقة الشرقية

المرداسي بدلاً من جلال لمباراة ملحق دوري أبطال آسيا

صورة الخبر

وقع بين يدي كتاب حديث بعنوان «المنظور الروائي عند محمد ديب» تأليف يوسف الأطرش، وصدر عن اتحاد الكتاب الجزائريين، وكان الروائي الجزائري قد كتب باللغة الفرنسية، ومن الضروري أن نعرف شيئاً عن الأدب الجزائري بشكل عام ومحمد ديب خاصة، وقد أشار المؤلف أن اختياره لمحمد ديب جاء إيماناً منه بأن ديب هو النموذج الذي يمثل هذه المرحلة من الأدب الجزائري كما جاء لأسباب عديدة أهمها: أن محمد ديب واصل الكتابة باللغة نفسها التي كانت عقدة المثقفين الجزائريين، إذ لم يكن له خيار آخر، إلا اتخاذ هذه اللغة أداة للتعبير عن هموم الكتاب الجزائريين ورؤاهم الفكرية والأدبية، حتي أصبحت هذه اللغة بالذات سلاحاً من أسلحة المعركة ضد الثقافة الدخيلة، مما جعل بعض الكتاب الفرنسيين أنفسهم يغتاظون من لغتهم التي أصبحت تستعمل ضدهم، وبخاصة عند كاتب ياسين ومحمد ديب. ومن الأسباب كذلك رغبة الكاتب في تقديم هذا الأديب الجزائري المبدع إلى قراء العربية الذي لم يكن معروفاً إلا من قلة منهم، وذلك من خلال روايته الشهيرة «الدار الكبيرة» أو رواية «الحريق»، وإلى جانب ذلك كان يرغب أن يوضح الأسباب التي أدت بمحمد ديب إلى تطوير الكتابة الروائية واستغلاله لأدوات فنية حديثة وقديمة، وتحول من فضاءات واقعية إلى فضاءات خيالية، ومن عوالم منتجة لواقع والتاريخ إلى عوالم تخييلية، وإلى متاهات وسراديب تجعل القارئ مشدوهاً ومتمسكاً بحل ألغاز هذه العوالم. وقد اعترضت الكاتب في إنجاز هذه الدراسة مشكلات عديدة أولها أنه لم يكن يتوقع أن أعمال محمد ديب الروائية لها من السعة في المواقف والمضامين والأشكال الفنية ما وجده بعد دراستها، الشيء الذي جعله يحذف الكثير، فاكتفى بدراسة نماذج روائية بينها مقتنعاً بأنها تعني فكرة عامة لخصائص الكتابة الروائية عنده. ومن مصطلح المنظور الذي يعتبر الأداة النقدية التي اعتمدها في دراسته هذه، هو ما يقابل في النقد الاجتماعي مصطلح «الرؤية».. ولذلك وجد نفسه يستعمل المصطلحين خلال دراسة رواياته وتحليلها، إن الفن القصصي عموماً، والرواية بشكل خاص، يخضع إلى بنية فنية معينة تحددها عناصر وأدوات فنية يوظفها الكاتب للتعبير من خلالها عن أفكاره، لرسم الحياة أو العالم الذي يريد أن يخرجه في شكل نص محكم البنية، مسلسل العناصر، وما إلى ذلك من الأهداف التي تحققها الأدوات الفنية في النص الأدبي، ومن بين هذه الأدوات «المنظور» أو «الرؤية» أو «وجهة النظر» وهذا المنظور هو الذي تناوله المؤلف كمنهج نقدي في تحليل أعمال محمد ديب الروائية ودراستها، فالمنظور هو الصورة التي تدركها العين وتحددها، بحيث يتوقف شكل أي جسم تقع عليه العين والصورة التي تتلقاه بها على الوضع الذي ينظر منه إليه، وقد انتقل مصطلح المنظور إلى ميدان النقد الأدبي، وهو يعني فيه، إلى جانب كونه مصطلحاً فكرياً وآيديولوجياً، موقف صاحب العمل الأدبي الفلسفي ورؤيته الفكرية، ويعني كذلك، إلى جانب كل هذا «إدراكيته» للمادة القصصية، بحيث إن الكاتب أو الروائي يقدم قصته أو روايته من خلال نفس مدركة ترى الأشياء وتستقبلها بطريقة ذاتية تتشكل بحسب رؤيتها الخاصة وزاويتها التي يختارها الكاتب - سواء أكانت آيديولوجية أم نفسية - بالإضافة إلى الأسلوب الذي يختاره الكاتب وتقديم روايته، والموقف الذي يقفه من زمان الرواية ومكانها وأحداثها، والموقف الذي يقفه من القارئ نفسه. ويوضح الكاتب الناقد تفاصيل موضوعات هذا البحث إذ قسّم المدخل إلى قسمين، تناول في القسم الأول منه البيئة التاريخية - السياسية بشكل مركز ومكثف، وبيَّن فيه الظروف التي كان يعيشها الشعب الجزائري في ظل الاستعمار، والتي تُعدّ فضاء اجتماعياً لنشأة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، أما القسم الثاني منه فقد تحدث فيه عن البيئة الثقافية باعتبارها فضاء ثقافياً لنشأة هذا الأدب أيضاً. الكتاب في خمسة فصول.. الفصل الأول تحدث فيه عن تشكيل رؤية محمد ديب الإبداعية وتطورها من خلال الظروف الداخلية التاريخية والثقافية التي عاشها، أما الفصل الثاني فقد خصصه الكاتب لعرض أعمال محمد ديب الإبداعية الروائية حسب ظهورها حتى سنة 1977 باعتبار أن رواية هابيل هي آخر رواية كانت قد ظهرت للكاتب بآخر أعماله، ويعد هذا الفصل بانورامية لروايات محمد ديب، وقد توسع الكاتب فيه من خلال تحليل بعض الروايات التي لمن يتناولها في الفصول اللاحقة. وقد حلل الكاتب في الفصل الثالث ثلاثية «الجزائر» بوصفها نموذجاً لمنظور محمد ديب الواقعي تجاه المجتمع الجزائري، وقسمه إلى قسمين تناول في القسم الأول من المنظور الآيديولوجي في الثلاثية، وفي القسم الثاني منه تحدث عن المنظور الاجتماعي. وخصص الفصل الرابع لتحليل رواية «هابيل» بوصفها نموذجاً لمنظور محمد ديب تجاه القضايا الإنسانية التي تعد الاهتمام الثاني للكاتب بعد القضية الوطنية، ومهّد لهذا الفصل بتحليل مكثف لرواية «من يتذكر البحر» لتكتمل دراسة الرواية الجديدة عند محمد ديب من ناحية المضمون، لأن التطور الذي طرأ على كتاباته لم يكن على مستوى الموضوع فحسب، بل كانت أيضاً على مستوى الكتابة في حد ذتها. أما الفصل الخامس والأخير فقد خصصه الكاتب لدراسة الخصائص الفنية للكتابة الروائية عند محمد ديب، وتناول فيه نموذجين: الأول رواية «الحريق» كنموذج للرواية الواقعية التقليدية، والثاني رواية «هابيل» كنموذج للرواية الجديدة عند الكاتب. أما من حيث الدراسات والأبحاث التي تناول فيها أعمال محمد ديب الروائية فهي على نوعين: النوع الأول: كانت دراسات ضمن الأدب المغاربي عموماً، والنوع الثاني فقد كانت خاصة بنتاج محمد ديب الروائي. ولد محمد ديب بمدينة تلمسان عام 1920م في أسرة برجوازية وكان أبوه حرفياً اشتغل في التجارة. عيّن محمد ديب مدرساً في قرية صغيرة وذلك عام 1939 تزوج محمد ديب من فرنسية عام 1951م وأنجب منها أربعة أطفال. آخر رواية أصدرها كانت «سطوح أو رسول».