صباح نعوش حالة إطارات عجلات السيارات المستوردةبمصر رسوم جمركية أوروبية على صادرات خليجية كيفية عمل آلية فض المنازعات بمنظمة التجارة غياب عربي عن ساحة فض المنازعات دوليا أسباب عدم الاستفادة من نظام فض المنازعات نزاعات تجارية لا تفسد ود العلاقات السياسية إيجابيات آليات فض المنازعات وأنظمة الحماية وضع نظام فض المنازعات التجارية لحماية المبادلات الخارجية من الممارسات غير المشروعة. لكن الدول العربية لا تلجأ إليه رغم كثرة وخطورة الأضرار التجارية التي تتعرض لها. وتعاني الدول العربية يوميا من ممارسات تجارية تهدد مصالحها الاقتصادية خاصة صناعاتها. وتتخذ هذه الممارسات شكل الإغراق أو الدعم فيما يتعلق بالواردات، وشكل ارتفاع الرسوم الجمركية أو تزايد القيود الكمية فيما يرتبط بالصادرات. وتندرج جميع هذه الأضرار ضمن صلاحية نظام تسوية المنازعات التجارية الذي تشرف عليه منظمة التجارة العالمية. والإغراق هو إدخال سلعة منتجة في دولة معينة إلى سوق دولة أخرى بسعر يقل عن قيمتها العادية. والقيمة العادية للسلعة هي سعرها في سوق الدولة المنتجة لها أو كلفة إنتاجها فيها. والإغراق بهذا المعنى طريق غير مشروع لإضعاف المقدرة التنافسية للسلع المماثلة المنتجة في الدولة المستوردة، ويؤدي بالتالي إلى تقليص صناعتها، بل وإلى توقفها بصورة نهائية. ففي دول مجلس التعاون الخليجي تكثر السلع الأجنبية، بما فيها المواد متدنية الجودة. إذ يبين استطلاع أجرته غرفة تجارة وصناعة عُمان أن المؤسسات المحلية المنتجة للزيوت النباتية والألبان والأسلاك الكهربائية تشكو بشدة من إغراق السلع الأجنبية المماثلة. ولدى هذه المؤسسات أدلة قاطعة على بيع هذه السلع في سلطنة عمان بسعر يقل عن سعر بيعها في بلد المنشأ. وتشير معطيات هذا الاستطلاع إلى أن أغلب المؤسسات الصناعية العمانية سئمت من إخطار الجهات الرسمية، علما بأن ضعف الحماية الحكومية للمنتجات المحلية من مخاطر الإغراق لا يقتصر على عمان بل يشمل منطقة الخليج برمتها. " اتضخ أن إطارات عجلات سيارات النقل المستوردة من الهند والصين والتي تصلإلى الأسواق المصرية بأسعار أقل بكثير من أسعار الإطارات المماثلة المصنعة محليا رغم أن كلفة الإنتاج في مصر منخفضة نسبيا " حالة إطارات عجلات السيارات المستوردة بمصر وأما الدعم فيتحقق عندما تقدم دولة المنشأ مساعدة لإنتاج أو تصدير سلعة معينة لتصل إلى أسواق دول أخرى بسعر منخفض. والدعم كالإغراق يفضي إلى هبوط المقدرة التنافسية للمنتجات المحلية. وهنالك أمثلة عديدة للمشاكل التي تعاني منها حاليا الأقطار العربية جراء الدعم الأجنبي. فقد اتضح أن إطارات عجلات سيارات النقل المستوردة من الهند والصين تصل إلى الأسواق المصرية بأسعار أقل بكثير من أسعار الإطارات المماثلة المصنعة محليا رغم أن كلفة الإنتاج في مصر منخفضة نسبيا. وتشير البيانات إلى أن نسبة عالية من حوادث السير الخطيرة في مصر ناجمة عن هذه الإطارات المستوردة ذات الجودة المتدنية. ويبدو أن السلطات المصرية مهتمة بمحاربة الإغراق والدعم، خاصة أن هذه المحاربة تقود إلى الحصول على إيرادات إضافية لميزانية الدولة، ناهيك عن دورها في حماية المنتجات المحلية. وتجدر الإشارة إلى أن مصر أسست جهازا خاصا ومستقلا لمكافحة الإغراق والدعم الذي شرع بوظيفته في الأسابيع المنصرمة، ويتولى النظر بالشكاوى المقدمة من قبل الصناعيين والتجار المصريين حول ممارسات الإغراق أو الدعم. ويرفع تقريرا بشأن كل شكوى إلى الوزير المختص. رسوم جمركية أوروبية على صادرات خليجية ولا تتوقف مظاهر الأضرار التجارية عند الواردات بل تشمل الصادرات أيضا، فقد فرض الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية مرتفعة على الصادرات البتروكيميائية الخليجية. وبعد مباحثات ثنائية طويلة قرر الاتحاد الأوروبي في العام 2006 إلغاء هذه الرسوم حال التوقيع على اتفاق منطقة التجارة الحرة الخليجية الأوروبية. لكن هذا الاتفاق وبسبب المماطلة الأوروبية لم يعقد حتى الآن، ولا توجد نية أوروبية حقيقية لإنشاء هذه المنطقة. وبالتالي لا تزال هذه الرسوم سارية المفعول. وتنطبق هذه الملاحظة بحذافيرها على صادرات الألومنيوم الخليجي. وتتعرض الصادرات الزراعية المغربية إلى الاتحاد الأوروبي لأزمة خطيرة بسبب تعديل السياسة الزراعية الأوروبية في نهاية العام الماضي، وهو ما أدى إلى تغيير النظام الجمركي للواردات الزراعية الأوروبية. بموجب هذا التعديل أصبحت الرسوم الجمركية الأوروبية تسري على القيمة الجزافية للواردات الزراعية التي تحددها الإدارة، مما أدى إلى ارتفاع مبلغ الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الزراعية من المغرب. وفقدت الرباط نتيجة هذه السياسة إحدى أبرز مزاياها التنافسية مقارنة بالمنتجات الإسبانية المماثلة المعفاة من هذه الرسوم. علما بأن الاتفاق الأوروبي المغربي للعام 2010 والذي دخل حيز التنفيذ في العام 2012 ينص صراحة على تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية المغربية. وأدت هذه الممارسات التجارية إلى تراجع النمو وارتفاع البطالة وتردي حجم الصادرات، ناهيك عن المشاكل الأخرى التي تمس سلامة المستهلكين. ويعد نظام فض المنازعات الوسيلة الأساسية والفاعلة لمعالجة هذه الممارسات. " الطرفان المتنازعان يحاولان خلال شهرين معالجة مشاكلهما بالمفاوضات الثنائية التي قد يسهم فيها المدير العام لمنظمة التجارة العالمية. وفي حالة عدم التوصل إلى حل ترفع الدولة المتضررة الشكوى إلى جهاز فض المنازعات التابع للمنظمة " كيفية عمل آلية فض المنازعات بمنظمة التجارة يحاول الطرفان المتنازعان خلال شهرين معالجة مشاكلهما بالمفاوضات الثنائية التي قد يسهم فيها المدير العام لمنظمة التجارة العالمية. وفي حالة عدم التوصل إلى حل ترفع الدولة المتضررة الشكوى إلى جهاز فض المنازعات التابع للمنظمة الذي يشكل لجنة يطلق عليها اسم "المجموعة الخاصة" التي تتكون من مختصين في موضوع النزاع. ومهمة المجموعة الخاصةهي تحرير تقرير نهائي حول النزاع في غضون ستة أشهر من تاريخ إيداع الشكوى. يتناول التقرير رصد المخالفات ودعوة الطرف المخالف إلى الكف عنها، وعلى ضوء هذا التقرير يتخذ جهاز فض المنازعات قرارا قابلا للاستئناف. وينتهي النزاع بالتنفيذ، إذ تتولى الدولة المخالفة إبلاغ الجهاز بموافقتها على التنفيذ الفوري للقرار. ولكن يحق لها عدم الالتزام به شريطة خوض مفاوضات مع الدولة المتضررة لتقديم التعويض الملائم لها أو منحها امتيازات تجارية معينة. وفي حالة فشل المفاوضات بعد مضي عشرين يوما من تاريخ صدور القرار تطلب الدولة المتضررة من الجهاز السماح لها بفرض عقوبات تجارية ضد الدولة المخالفة. يتضح من هذا الوصف أن العقوبات المتخذة في نطاق منظمة التجارة العالمية تختلف اختلافا كليا عن تلك التي توقعها مؤسسات دولية أخرى. ففي إطار مجلس الأمن الدولي تتخذ العقوبات التجارية ضد دولة ما بصورة جماعية، وقد تؤدي إلى حصار اقتصادي شامل. وهذا ما حدث للعراق بعد غزو الكويت في العام 1990. في حين تقتصر العقوبات في منظمة التجارة العالمية على تلك التي تتخذها الدولة المتضررة ولا علاقة للأعضاء الآخرين بهذا الشأن. وفي نطاق صندوق النقد الدولي يمكن لمجلس المحافظين تعليق عضوية الدولة المخالفة لاتفاقيته، وهذا ما حدث للسودان في العام 1993 بسبب تراكم متأخرات ديونه المستحقة للصندوق. في حين لا يوجد أي نص يسمح لمنظمة التجارة العالمية بتعليق عضوية الدولة المخالفة. كما نلاحظ أن نظام فض المنازعات التجارية لم يصمم كي تكف الدولة بالضرورة عن مخالفتها، بل قد تفضل تقديم تعويض للدولة المتضررة مع إبقاء المخالفة. وقد تفضل الخضوع للعقوبات بدلا من تقديم التعويض. ينبني على ذلك اختلاف فاعلية العقوبات حسب الدول. " بين يناير/كانون الثاني 1995 وفبراير/شباط 2015 رفعت أمام منظمة التجارة العالمية 490 شكوى أي بمعدل دعوى واحدة كل أسبوعين. خلال هذه الفترة لم تقدم أي شكوى من قبل دولة عربية، بمعنى آخر تحرم البلدان العربية نفسها من حق أساسي من حقوق عضويتها في المنظمة " غياب عربيعن ساحة فض المنازعات دوليا بين يناير/كانون الثاني 1995 وفبراير/شباط 2015 رفعت أمام منظمة التجارة العالمية 490 شكوى أي بمعدل دعوى واحدة كل أسبوعين. خلال هذه الفترة لم تقدم أي شكوى من قبل دولة عربية، بمعنى آخر تحرم البلدان العربية نفسها من حق أساسي من حقوق عضويتها في المنظمة، فقد انضمت إليها على أمل الاستفادة من تحرير التجارة الخارجية من القيود الكمية والرسوم الجمركية التي تعاني منها صادراتها. ولكن على الصعيد العملي اضطرت الدول العربية إلى فتح أبواب أسواقها على مصراعيها ومنح امتيازات تجارية واسعة للدول الصناعية دون الحصول على مقابل مماثل، فلا تزال الصادرات العربية الزراعية والصناعية تخضع لتلك القيود والرسوم. كما تُفرض على استهلاك المنتجات النفطية في الدول الصناعية ضرائب نوعية مرتفعة لا تدخل أساسا ضمن اختصاصات منظمة التجارة العالمية رغم تأثيرها البالغ على التجارة الخارجية للدول النفطية. وبالتالي لم يبق أمام البلدان العربية سوى نظام فض المنازعات للدفاع عن مصالحها، لكنها لا تمارس هذا الحق إطلاقا رغم مظاهر الأضرار المذكورة أعلاه، لذلك باتت خسائرها في المنظمة أكبر بكثير من مكاسبها. أسباب عدم الاستفادة من نظام فض المنازعات لتحليل هذا السلوك لا بد من تقسيم الدول العربية إلى قسمين، يرتبط الأول بعلاقات استثمارية وعسكرية متينة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا هو حال دول مجلس التعاون التي تتمتع جميعها بعضوية منظمة التجارة العالمية. ويعتمد القسم الثاني على المساعدات الأميركية والأوروبية اعتمادا كبيرا. كما هو حال مصر والأردن والمغرب. إذن هنالك صعوبة كبيرة وحرج شديد، بل وخشية حقيقية من تقديم شكوى تجارية ضد المساند العسكري أو ضد المانح المالي. ولا يستبعد أن تقود مثل هذه الشكوى إلى التأثير سلبيا على هذه العلاقات، عندئذ تخسر الدول العربية الكثير للحصول على القليل، فعلاقات الدول العربية مع الدول الصناعية غير متكافئة وتصل أحيانا إلى التبعية والتنازل بسهولة حتى عن أبسط الحقوق. ولكن المبالغة في النتائج السلبية لهذا الوضع غير مبررة، فالشكوى تجارية وليست سياسية. إنها ترفع أمام منظمة التجارة العالمية وليس أمام مجلس الأمن. وفي أغلب الأحيان لا تتعلق الدعاوى بقانون أميركي أو أوروبي بل بممارسات شركات القطاع الخاص. نزاعات تجارية لا تفسد ود العلاقات السياسية وعند النظر إلى العلاقات في إطار منظمة التجارة نلاحظ وجود صراع بين الدول الصناعية من جهة والدول النامية من جهة أخرى. وهناك صراع آخر لا يقل حدة بين الدول الصناعية بعضها مع بعض، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتكفي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قدمت في العشرين سنة المنصرمة 108 شكاوى أمام المنظمة، منها 14 شكوى ضد الاتحاد الأوروبي. كما قدم الاتحاد الأوروبي في الفترة نفسها 95 شكوى منها 30 شكوى ضد الولايات المتحدة. ورغم هذا الصراع لم تتوتر العلاقات السياسية ولم تنخفض المبادلات التجارية بينهما. لكن المشكلة تبقى قائمة، لأن البلدان العربية لا تستخدم حقها في اللجوء إلى نظام تسوية المنازعات حتى في علاقاتها التجارية مع الدول الآسيوية. وذلك رغم أهمية الواردات العربية من هذه الدول التي تشكل 33% من إجمالي الواردات العربية الكلية، ورغم كثرة المشاكل التي تثيرها بعض السلع المستوردة خاصة من الصين. عندئذ لا بد من طرح السؤال التالي: هل هنالك تقاعس عربي أم هنالك وسيلة أخرى لمعالجة الأضرار التجارية؟ شرعت جميع الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة أنظمة خاصة لمعالجة الإغراق والدعم. " هناك وسيلة أخرى لمحاربة الإغراق ودعمالحكومات للصادرات،وهيتطبيق أنظمة خاصة تفضي إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع محل الإغراق أو الدعم. وبالتالي ترتفع أسعار بيعها في سوق الدولة المستوردة، وينتهي مفعول الإغراق أو الدعم فتعود المنافسة التجارية إلى وضعها المشروع " فبدلا من تقديم شكوى إلى المنظمة وما قد يترتب عليها من تداعيات سلبية تطبق هذه الأنظمة التي تفضي إلى زيادة الرسوم الجمركية على السلع محل الإغراق أو الدعم. وبالتالي ترتفع أسعار بيعها في سوق الدولة المستوردة، وينتهي مفعول الإغراق أو الدعم فتعود المنافسة التجارية إلى وضعها المشروع. وهذه التطبيقات القانونية تنسجم مع اتفاقات المنظمة تحت شروط معينة. إيجابيات آليات فض المنازعات وأنظمة الحماية تتجلى إيجابيات هذه الوسيلة في سرعة إجراءات معالجة الأضرار، في حين قد يستغرق إصدار قرار من جهاز فض المنازعات ثمانية عشر شهراً، وخلال هذه الفترة تتعرض صناعة وتجارة السلع المحلية للخطر. ناهيك عن حرمان الدولة من الحصول على أموال إضافية. ولكن قد تطبق أنظمة الحماية على نحو تعسفي يهدف فقط إلى تحقيق مردود مالي، أو قد لا تقتنع الدولة المصدرة باحترام الإجراءات المتخذة من قبل الدولة المستوردة لاتفاقات المنظمة. وهذا الأمر يشجع الدولة المصدرة على الطعن بهذه الإجراءات. وقد تعرضت مصر لهذا الوضع عندما قدمت تركيا شكوى ضدها إلى المنظمة في العام 2000. وقدمت باكستان شكوى أخرى ضدها في العام 2006. وفي الحالتين السابقتين تناول موضوع الشكوى الإجراءات المصرية لمكافحة الإغراق. لذلك ينبغي التأكد من وجود الإغراق أو الدعم. كما يتعين ألا يزيد مبلغ رسوم المكافحة على مقدار الإغراق أو الدعم الذي يساوي القيمة العادية للسلع بعد طرح سعر التصدير. أضف إلى ذلك أن قوانين المكافحة غير كافية للدفاع عن المصالح التجارية للدول العربية لأنها (على افتراض تمتعها بفاعلية عالية) تهتم بالواردات فقط، أما في حالة تعرض الصادرات للخطر فلا توجد أنظمة داخلية لحمايتها بل لا بد من رفع شكوى إلى المنظمة. إن اللجوء إلى نظام فض المنازعات التجارية حق ممنوح لكل عضو في منظمة التجارة، لكن الدول العربية لا تمارسهمما يعرض مصالحها الاقتصادية للخطر. وبات من اللازم تعديل هذا السلوك على الأقل في القضايا ذات الأهمية الكبيرة. ـــــــــــــ باحث اقتصادي عراقي