أحسن الدكتور هاشم عبده هاشم، حين طرق ــ مجددا ــ بمطرقة الإعلام على رؤوس أرباب الفساد، ذلك الداء العضال الذي يقوض كل مشروع للخير والنماء؛ لأنه يفت في عضد جموع الشرفاء المجتهدين، تزيحهم عن المشهد حفنة ممن أظلمت قلوبهم عن مصلحة الوطن والمواطن، وتفتحت شهية أحداقهم على مصالحهم الشخصية دون سواها، إنْ بالطرق غير المشروعة، وإنْ في مجتمع يقوم على الطهارة، ويا لهول الخسارة! وكشف لنا الدكتور عن التناقض العجيب بين المطالبة الملحة باعتماد الانتخابات ــ دون سواها ــ آلية لاختيار النواب والممثلين، في كافة القطاعات الحكومية والأهلية، وحين يتحقق الحلم تُقتل فيه البراءة منذ البكارة، بما نتعاطاه من ثلاثية الفساد: الرشوة، التزوير، وشراء الأصوات، من خلال هذه الآلية التي طالما تغنينا بها أمثولة ونشيدا! والنتيجة هي الفوز بالمقعد لمن لا يستحقه تأهيلا وجدارة، والنتيجة التالية انقلاب على قوانين السوق وشرف المهنة، إذ تزيح البضاعة الفاسدة في طريقها ــ بالدرهم والدينار ــ قوافل البضاعة الجيدة، خصما من حسابات الوطن. وحين ننظر إلى مجتمعنا، نجد أن قمة الهرم فيه تضرب بيد من حديد على هذا الفساد اللعين، ولا تستثني (كائنا من كان) من الحساب على التقصير، واقرأوا الأمر الملكي الكريم، الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ بعيد سيول جدة، لتتأكدوا من صحة ما أسلفت، وللمعلومية، لا تزال القضية تنظر حتى الآن. إذن، فما هي المشكلة؟ في ظني أن المشكلة متشعبة الأسباب، لكن أهمها هو بطء إجراءات التحقيق والتقاضي بالسنوات، حتى ينسى المجتمع ما فات، وهذه نقيصة ربما يمكن القضاء عليها ــ في رأيي المتواضع ــ بتحقيق العدالة الناجزة، من خلال توحيد جهات التحقيق، لمجابهة إنكار المتهمين لاعترافاتهم أمام إحداها، بحجة أنها أُخذت تحت الإجبار من الجهة التي قبلها، وبذلك يطول أمد التقاضي، وتعطى الفرصة للجناة كي ينكصوا عن اعترافاتهم، وللمحاماة مجالا لتبدع في الدفاع عنهم. كما يقتضي الأمر اشتمال هيئات المحاكم على خبراء في الاختصاصات المختلفة المتعلقة بالقضايا، أو استحداث ــ أو دعم ــ هيئة للخبراء في وزارة العدل، تحال إليها الإشكالات التي تحتاج إلى خبراتهم، مع تحديد مدة زمنية لإنجاز تقرير الخبير، ومن ثم الفصل في القضية، وأعتقد أن هذا لا يغيب عن ذهنية القائمين على تطوير القضاء (مشروع الملك المطور عبدالله بن عبدالعزيز). أما ثانية المشاكل، فهي أننا نحنو على الجناة في هذه القضايا، فلا يذكر إعلامنا أسماء لهم ولا صورا إلا خلفية، ولا يشهر بهم ليرتدع غيرهم، ولقد حكى الأجداد أنه كان يشهر بالمجرمين والفاسدين، بوضع أسمائهم وصورهم أمام عيون الرائحين والغادين، في المقار الرسمية في مكة المكرمة. وربما كانت هذه الوسيلة أشد وطأة على هذه الفئة من السجن والجلد، ذلك أنها كانت بمثابة عزل اجتماعي كامل، يعانون منه أشد العذاب. وهناك تجارب لموضوع التشهير في بعض دول الخليج المجاورة في ردع الشباب عن المعاكسات والتعرض للنساء في الأسواق العامة بالتشهير وإعلان الأسماء والصور في الجرائد، مما قلل من هذه الظاهرة السيئة لديهم بصفة ملحوظة. وأنا هنا لا أطالب بالتشهير لكل من اتهم، لكني ألح عليه لمن ثبتت إدانته شرعا وتكرر فعله؛ لأن هذا الأخير لا يستحق منا رأفة ولا رحمة! ولا يفوتني، في هذه العجالة، أن أشير إلى أن كامل المسؤولية في انتشار هذا المثلث تقع على عاتقنا كمواطنين، فنحن الفاعلون لحراك هذا المثلث الشرير. الخلاصة أن مكافحة الفساد الحقيقي تحتاج إلى العدالة الناجزة، والى أسلوب التشهير، وإلى استيقاظ ضمائرنا كمواطنين. والله الموفق،، (*) مستشار مالي وإداري