كما أن قيادة السيارة فن وذوق وأخلاق، فإن توقيفها كذلك فن وذوق وأخلاق، والعلاقة بين قيادة السيارة وتوقيفها علاقة طردية في المجتمعات، فالمجتمع الذي يلتزم فيه الأفراد بقواعد المرور وآدابه وسلوكياته في قيادة السيارة بتؤدة وحذر وانضباط، تجد فيه التزامًا من هؤلاء الأفراد بقواعد توقيف السيارات في مواقفها المخصصة بدقة متناهية، فلا تتكدس السيارات في المواقف، بحيث لا تستطيع السيارات الأخرى أن تمر قبل أن تجد لها مواقف مناسبة، ولا يتجاوز السائق الخطوط المرسومة لوقوف كل سيارة مهما كان الحيز ضيِّقًا أو محدودًا، ولا يقف السائق أبدًا في الأماكن التي يمنع فيها الوقوف تحت أي طائلة. أمّا الوقوف في الأماكن المخصصة لذوي الإعاقة (Disable) فهي جريمة يُعاقب عليها السائقون في بعض الدول بغرامة قد تصل إلى ألف دولار، وقد تُسحب الرخصة في بعض الأحوال، أمّا عندنا فهذه المواقف مباحة للجميع. تلك بعض قواعد وضوابط وقوف السيارات في كثير من الدول المتقدمة منها، والنامية على السواء. ولعل معاناتنا مع مواقف السيارات توازي معاناتنا مع قيادتها، إن لم تزد عنها، وهي مشكلة عدم انضباط، وعدم احترام للقانون عمومًا، ولقانون المرور خصوصًا، وفي كل يوم تزداد هذه المعاناة وتشتد، فالعثور على موقف مناسب للسيارة في المصالح الحكومية، والمرافق العامة، والأسواق وما عداها دونه خرط القتاد. وتتصدر جدة المدن التي تعاني من نقص المواقف في المملكة، كما تتصدر كل المدن في ازدحام السير واختناقات المرور، وسوء الطرق، وانتشار الحفر في كل شارع وحارة وزقاق إلى آخر القائمة. ففي كل مرفق عام أو خاص لا يمكن أن تكون المواقف كافية لذلك المرفق، لذك ترى على الدوام مناظر يندى لها الجبين، ويشعر المواطن بالخجل والأسف من سيارات يسد بعضها على بعض لصفّين أو أكثر، وأخرى تعتلي الأرصفة العالية جدًّا دون أن تعلم كيف اعتلتها، وثالثة تقف فوق الخطوط الظاهرة للعيان، بحيث تحتل السيارة الواحدة مكان سيارتين أو ثلاث، وعليه يضيق استيعاب المواقف إلى النصف أو الثلث. وكل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من المرور، أو الأمن والسلامة في المرافق، دون أن يحرك أحد ساكنًا، أو يغرّم السائقون على سوء وقوفهم. ويحدث كثيرًا أن يدخل الواحد منا في مواقف الأسواق الكبيرة، أو المواقف العامة تحت الأرض أو فوق الأرض، ويأخذ في الدوران ثم الدوران باحثًا عن (خرم إبرة) -كما يقولون- فلا يجد! وأريد ههنا أن أعرض تجربة ماليزيا التي حلّت جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة، ففي معظم مواقف السيارات في كوالامبور وبوتراجليا، يعلو كل موقف لكل سيارة -على حدة- ضوء ينير باللون الأخضر، إن لم تكن فيه سيارة، واللون الأحمر إن كان فيه سيارة، ويستطيع السائق أن يرى صفوف الأضواء عن بُعد، فإن كانت جميعها حمراء واصل مسيره حول المواقف دون أن يضيّع وقته في النظر يمنة ويسرة، باحثًا عن موقف، وحين يرى ضوءًا أخضر عن بُعد يعلم يقينًا أن هناك مكانًا جاهزًا لوقوف سيارته، فيتّجه إليه، وهكذا، كما أن مدخل كل ممر على حدة تعلوه لوحة مضيئة تبيّن للسائقين ما إذا كان ذلك الممر تحديدًا مليئًا بالسيارات (Full)، أو به أي فراغ (Vacuum)، وهذا يختصر على السائق الدخول في ذلك الممر، فيتّجه إلى ممر آخر يمنة أو يسرة، صعودًا أو هبوطًا، ويظهر أن هنالك حساسات أعلى كل موقف لكل سيارة تغيّر الإضاءة بين اللون الأخضر والأحمر، ولا يبدو أنها مكلّفة على الإطلاق، وأعتقد لو أن مثل هذا النظام طُبّق عندنا لأراح الناس كثيرًا؛ شريطة أن يلتزم السائقون بالوقوف، داخل الخطوط المرسومة لكل سيارة، وهو أمر صعب المنال، لأنه لو لم يلتزم السائقون بذلك سيتعذر ضبط الإضاءات بين الأخضر والأحمر، ويصبح النظام كأن لم يكن. ولحل هذه المشكلة يمكن أن يعيّن بعض أفراد الأمن والسلامة للتفتيش على المخالفين، ووضع مخالفات مناسبة لهم. ومن الأمور المهمّة أيضًا أن يُغرَّم المخالفون الذين يقفون في مواقف ذوي الإعاقات، أو الاحتياجات الخاصة، وقبل ذلك كلّه لابد من صرف بطاقات لهذه الفئة من المجتمع تعلّق داخل السيارات، كما يحدث في أمريكا، ودول أخرى، وبدونها لا يمكن لشرطي المرور أن يعلم ما إذا كان السائق مخالفًا أو لا، وهذه البطاقات لا تُصرف من المرور إلاّ بتقارير طبية معتمدة، وإلاّ دخلت فيها الواسطات، ونعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر، وقد سمعت من كثير من المعاقين حاجتهم لهذه البطاقات. أختم بما بدأت هذه المقالة من أن توقيف السيارة فنّ وذوق وأخلاق، وينبغي التنبّه إلى أهمية الوقوف الصحيح بقدر التنبّه إلى القيادة الصحيحة. Moraif@kau.edu.sa للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (53) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain