×
محافظة المنطقة الشرقية

أغرب لقطات الزواج الروسية

صورة الخبر

في الأيام الأخيرة من العام الهجري الماضي (1434هـ).. كان الصديق والكاتب الصحفي الشجاع، وشاعر العامية الأكثر إمتاعاً الأستاذ (تامر الميمان) يحدثنا في (سبتيتنا) الأسبوعية التي تضم عدداً من الكتاب والصحفيين والأدباء وبعض الإعلاميين إلى جانب عدد من رجال الأعمال.. عن (مهرجان) تعمل على إقامته محافظة جدة بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة في منتصف الشهر الثالث من العام الهجري الجديد.. في منطقة جدة التاريخية، وأن أحداً من المتصلين بـ (مجموعة) الإعداد لـ (المهرجان).. قد استمزج رأيه في كتابة النصوص الغنائية لـ (أوبريت) غنائي سيجري تقديمه في حفل افتتاح المهرجان، وأنه أبدى استعداده لذلك.. رغم شعوره بضيق الوقت، وانه اقترح بـ (حسن ظنه) (اسمي) باعتباري أحد العارفين والمعاصرين لجدة التاريخية وحياتها وأيامها ولياليها، وكيف تهلل وتكبر وهي تستقبل ضيوف الرحمن.. وكيف تفرح وتحزن.. ومتى تسهر وتغني (وحمام جانا من الطايف/ صنعاني يبغى ولايف) أو تهزج بصورة جماعية وهي على ظهور (سنابيكها) في الطريق إلى جزيرة (الواسطة): (يا مركب الهند يا أبو داقلين/ ياريتني كنت ربانه/ لاكتب على دفتك سطرين/ اسم حبيبي وعنوانه).. لكتابة (سيناريو) هذا (الأوبريت) وانتقاء محطاته التاريخية أو الاجتماعية، لينشئ الأستاذ تامر عليها نصوصه الغنائية.. التي توقعت روعتها بحكم معرفتي بـ (شاعرية) الميمان العامية، وجمالها وقدرتها على التأثير: فرحاً وبهجة.. وشجناً ودمعاً..!! فكان أن رحبت بترشيحه على طريقتي في كل ما يخص (جدة).. رغم مقاسمتي له شعوره بضيق الوقت (ثلاثة أشهر للكتابة، والتلحين، والحفظ، والتدريب!!) من جانب، واستنكاري لـ (فكرة) إقامة مهرجان لـ (جدة التاريخية) أصلاً من جانب آخر.. بعد كل هذا (الإهمال) العفوي أو المقصود الذي تعرضت له وعانته مبانيها وشوارعها وبرحاتها وأزقتها طوال الثلاثين عاماً الماضية، رغم استنجاد وصياح ونواح كتاب الرأي في صحافتها.. وهم يستغيثون – ولا مجيب – طلباً لإنقاذ تلك البقية الباقية من ذلك التراث المعماري الرائع، والذي تقدمت العناية بأمثاله وما دونه.. عليه، سواء في (الدرعية) أو (موقدة حاتم الطائي) أو في ترميم وإحياء (قصر العقير) على شواطئ الأحساء، الذي زاره الملك عبدالعزيز مرة واحدة بترتيب من (بريطانيا العظمى).. المسيطرة على المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى لحل الخلافات بين أصدقائها في الجزيرة العربية من الهاشميين والسعوديين والعجمان.. بينما بقيت فكرة ترميم وإحياء (قصر خزام) التاريخي، الذي بناه وعاش فيه الملك عبدالعزيز قرابة عشرين عاماً، وضم آثاره ومقتنياته في الحجاز بعد وفاته.. حبراً على ورق، وكلاماً يتمطوح في الهواء!! حتى كدت أن أقول له: (صح النوم يا محافظة).. و(صح النوم يا هيئة السياحة والآثار).. وفي ذاكرتي آخر صورة كئيبة رأيتها قبل عامين لـ (أحشاء) المنطقة التاريخية بعيداً عن بعض المواقع والاماكن كـ (سوق البدو) وسوق الجامع وبرحة الفلاح في (المظلوم)، وبيوت باعشن في حارة (الشام)، و(برحة نصيف) و(سوق العلوي)، وشارع بيتي (الخميس) و(البسيوني) في حارة (اليمن) اللذان امتدت لهما ولما حولهما مؤخراً يد العناية من ترصيف للشوارع والأزقة وترميم للمنزلين – أحدهما بجهد شخصي من (آل خميس) والآخر بجهود بلدية المنطقة التاريخية – أما ماعدا ذلك من أجزاء المنطقة التاريخية.. فهي تعاني الأمرين من إهمال وتداعيات خطيرة قد تودي بها إن لم يتم تداركها سريعاً. فعلى ماذا نقيم (مهرجاناً)..؟! ولكنني بلعت كل همومي هذه، وقلت له: (حاضر).. والله يعيننا على قصر الوقت..! ••• بعد أسبوع أو عشرة أيام.. هاتفت أخي تامر، كي ألتقي به خارج (السبتية) في جلسة عمل أولى.. لنتبادل الرأي حول المشاهد التاريخية أو الاجتماعية أو الإنسانية التي يمكن تقديمها من حياة جدة في (الأوبريت): ليتحدث عنها السيناريو بلسان (الراوي).. ويغنيها المغنون بـ (نصوص) الأستاذ تامر الشعرية، حيث اتفقنا على أن نبدأ بـ (الرجبية) مع قدوم طلائع ضيوف الرحمن إلى (جدة).. أيام السفن والبواخر والسواعي، وقيام كثير من عوائلها بـ (زيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم) والسلام عليه والصلاة في مسجده بالمدينة المنورة.. وصوت (المزهِّد) الجميل وهو يودعها بـ (السيرة المحمدية) والمدائح النبوية، فـ (الشعبنة) فـ (العشر) الأواخر من رمضان، فـ (ليلة العيد).. إلى.. إلى سفر المطوفين أو وكلائهم أيام (البصارة) لزيارة الحجاج في بلدانهم ترويجاً للموسم القادم، فعودتهم.. و(الدَخْلات) الفنية المترفة التي كانت تقام لهم ترحيباً بتلك العودة. ليفاجئنا أخي تامر.. في (سبتية) تالية بنبأ احتمال تأجيل (المهرجان) شهراً.. أي إلى منتصف شهر ربيع الثاني، حتى يتم استكمال الإعداد له.. ولحفل افتتاحه الضخم الذي سيقام مباشرة جنوب ميدان البيعة وفي الموقع الملاصق غرباً لـ (باب المدينة) أو (باب جديد)، الذي أعاد بناؤه عاشق جدة وأمين مدينتها الأول المهندس الدكتور محمد سعيد فارسي، فسعدنا بأنباء (التأجيل) هذه، والتي تمنيت لو أنها كانت عاماً وليس شهراً لإعطاء فرصة للأمانة أو للمحافظة أو لهيئة السياحة علَّهم يفعلون – فرادى أو مجتمعين – شيئاً خلاله.. لترميم ما يمكن ترميمه – على عجل – من المباني الأقل سوءاً في تدهورها.. مع مضاعفة رقعة ترصيف الشوارع والأزقة والممرات، أو لإعداد ممر سياحي شمالي – من البيعة إلى برحة نصيف – يليق باسم (جدة) وسمعتها وصورتها في قلوب محبيها وعشاقها، وعند أولئك الذين أحبوها وعشقوها سماعاً دون أن يروها.. والمتوقع قدومهم بالآلاف لزيارة مهرجانها التاريخي الأول هذا. لكن سرعان.. ما بددت الأخبار الصحفية المتوالية أنباء التأجيل تلك، وهي تشير إلى الاستعدادات التي تجرى على قدم وساق.. ليوم افتتاح المهرجان وكما كان مقرراً له، وهو ما أكده لي – لاحقاً – عمدتنا الجميل الشيخ عبدالصمد محمد محمود عبدالصمد.. عندما شرفني بزيارة شخصية ليسمعني (نَصْ) كلمته التي أعدها لـ (حفل الافتتاح)، فكانت كلمة أدبية محلقة: راقية الألفاظ والمعاني.. أسعدتني بقدر ما أعجبتني حتى إنني داعبته قائلاً: بـ (الشكل دا يا عمدة.. ستنافس أدباء وشعراء جدة)!!، وقد لاقت عند إلقائها في ليلة الافتتاح.. الاستحسان الذي تستحقه عن جدارة، وكما تابع ذلك مشاهدو القناة الثقافية ومستمعو إذاعة جدة، اللتان قامتا ببث وإذاعة الحفل على الهواء مباشرة. وقد كان جميلاً من العمدة في زيارته.. أن طمأن مخاوفي من فشل (المهرجان) إن بقيت (المنطقة التاريخية) على صورتها المؤسفة القابعة في ذاكرتي عنها منذ عامين، وهو يخبرني بأن الكثير من الترميم والترصيف والإضاءة قد حدث خلال العامين الماضيين.. بل وأن الممر السياحي (الشمالي) الذي كنت أتمناه بـ (التأجيل) – كما أسلفت – قد قام على أرض الواقع من برحة السفارة الهندية أو (رباط باناجه).. إلى برحة (الإيلشي) إلى برحة (العتيبي) إلى زقاق باعشن إلى برحة (باخشوين) إلى زقاق فرن (عبدالعال) – أو الصعيدي – كما اسمته بلدية المنطقة التاريخية.. إلى برحة (باديب).. إلى الطرف الغربي لـ (سوق الجامع).. إلى زقاق (المتبولي).. إلى برحة (يعقوب).. فبرحة (نصيف) الشهيرة.. فوق أرض مرصوفة بالحجارة الجميلة، وتحت إضاءة تراثية تذكر بـ (أتاريك) الأصفهاني والخميِّس الشهيرتان في جدة القديمة.. بل وأضاف بأن ابن جدة الشاعر الأستاذ عبدالإله محمد جدع.. قد كتب الـ (أوبريت) الذي سيقدم في حفل الافتتاح بلغة جميلة بين الفصحى والعامية، وأنه قام بتلحينه وغنائه الفنان (محمد الحداد).. بل وتم الانتهاء من تسجيله بأعلى درجات النقاء والجودة.. استعداداً لإذاعته في الحفل بأسلوب الاستعادة أو (البلاي باك). لقد قدمت لي جملة المعلومات هذه.. التي تفضل بها (عمدتنا) تصحيحاً جوهرياً لخطأ اعتقادي بأن (فكرة) المهرجان بدأت منذ ثلاثة أشهر من يوم افتتاحه.. بينما الحقيقة هي أنها بدأت ربما منذ عام مضى.. إن لم يكن أكثر، وهو ما عنى عندي: أن اتصال أحد أعضاء لجنة الإعداد للمهرجان من (التنمية السياحية) أو (الغرفة) بأخي تامر قبل ثلاثة أشهر من موعد المهرجان.. لم يكن.. بأكثر من اجتهاد شخصي متأخر منه، يعبر عن إعجابه بشاعرية الأستاذ تامر، وتمنيه لو أنه قام بكتابة نصوص أغاني (أوبريته) وهو ما بنيت عليه.. ما قلته في الفقرة السابقة من هذا المقال!! ••• بعد أيام قلائل.. كنت أتلقى – على الفاكس – بطاقتيْ دعوة لحضور حفل الافتتاح – لي ولمرافقي – من الأستاذ عبدالوهاب أبو زنادة – أول أمناء الغرفة التجارية بجدة – فيلفتني فيها تصميمها التراثي غير التقليدي المتقن.. وقد اعتلت صدارتها – أو رأسها – صورة لبوابة (بيت باعشن) الخرافية في تصميمها ونقشها.. وقد كتب تحتها شعار (كنا كده..)!! بخط الثلث التاريخي الجميل.. بينما اصطفت تحتها شعارات رعاة المهرجان الست، فـ (نص) الدعوة لـ (حفل الافتتاح)، الذي سيتم برعاية وحضور أمير منطقة مكة المكرمة الجديد الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، وحضور الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقد ذيلت الدعوة بتوقيع الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز (رئيس اللجنة العليا للمهرجان ورئيس التنمية السياحية بجدة) لأكون بين الحاضرين في الموعد تماماً.. بعد أن تغلب (مرافقي) بذكائه وعلاقاته على إغلاق (المرور)غير المبرر لشارع طريق المدينة النازل من نقطة تعامد (شارع حمزة شحاتة) عليه.. وصولاً إلى جنوب ميدان البيعة حيث موقع (حفل) الافتتاح وفعالياته، ليفاجئني ذلك الحضور الرجالي والنسائي الكثيف، وقد تم توزيعهما بصورة شرعية: فـ (الرجال) على مدرجات أسمنتية متصاعدة.. تم جلبها خصيصاً لهذا المسرح المؤقت، و(النساء) على كراسٍ أحادية اصطفت خلف بعضها فيما يزيد عن عشرة صفوف.. وأمام الاثنان: منصة مسرح أرضي.. يبلغ عرضه من الشرق إلى الغرب قرابة أربعين إلى خمسين متراً، وعمقه من الشمال إلى الجنوب.. من خمسة عشر إلى عشرين متراً.. بينما احتلت خلفية (المسرح) أربعة مبان تراثية: بيوت البترجي (شِمَالاً) و(رباط باناجه) وبيتا باجنيد (وسطاً)، اللذان تمت إعادة بنائهما مجدداً وفق روح العمارة الحجازية التقليدية.. وقد كانا أول مقر لـ (شركة الزيت العربية الأمريكية) في المملكة في الأربعينيات من القرن الماضي، وبيت (السفارة الهولندية) الأسمنتي الباقي رغم مرور عشرات السنين (يميناً).. فكان مسرحاً أرضياً جميلاً بكل مكوناته، ليبدأ الحفل بصورة شعبية جداوية مختلفة.. بـ (مجس) ترحب فيه (جدة) بضيوف حفلها.. بصوت (الجسيس) محمد الحداد، ثم يتلوه بعد ذلك الجانب الرسمي بوصول راعي الحفل.. أمير منطقة مكة المكرمة، فالسلام الملكي.. فالقرآن الكريم، فالجانب الخطابي من الحفل.. بكلمة (الأهالي) التي ألقاها عمدتنا (الشيخ عبدالصمد).. فكلمة (الملاَّك) التي ألقاها معالي (الشيخ عبدالله زينل) وزير التجارة والصناعة السابق، فكلمة الأمانة للدكتور هاني أبو راس، فكلمة الهيئة العامة للسياحة والآثار (للأستاذ العُمري)، وأخيراً كلمة عميد رعاة المهرجان الشيخ صالح كامل رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، التي استخدمت فيها أعلى درجات التقنية... بنقل صورة الشيخ صالح وهو يتحدث من مدرج المدعوِّين إلى منصة المسرح وكأنه يتحدث من فوقها، فكانت كلمتا البدء والختام.. هما لؤلؤتا كلمات حفل الافتتاح، ليبدأ بعدها أوبريت (خير البحر).. الذي لحنه وأداه المغني الشاب (محمد الحداد)، وكتب كلماته الشاعر الأستاذ عبدالإله جدع مستلهماً مشاهده من (تاريخها) العربي الإسلامي الطويل.. ومن (بحرها).. الذي جاء إليها بالخير كل: حجاً وعمرة وزيارة وتجارة.. وفكراً وثقافة.. وفناً ورياضة.. وغنى وسعادة.. وطعاماً وشراباً، فقد كان أثرياء جدة يشربون من (مياه النيل) في الثلاثينيات والأربعينيات الميلادية من القرن الماضي، والتي كانت تأتيهم في زجاجات خضراء شفافة.. على بواخر شركات طلعت حرب الملاحية. كانت ألحان (الأوبريت).. حجازية الهوى: تجمع بين (الدانة) اليمنية و(الطقطوقة) المصرية و(المجرور) الطائفي.. وقد علت فيها نبرات العود بتأثيرها وأشجانها، ليمتلئ المسرح بفرسان الملك عبدالعزيز وهم يحملون راية التوحيد.. باعتبار أن (جدة) تاريخياً كانت آخر محطات توحيد مدن وأقاليم الجزيرة العربية.. لينتهي الحفل وتتفرق تلك الجموع في طريقها إلى قلب مفردات (المهرجان). ••• لقد غادرت مع المغادرين.. سعيداً بـ (المهرجان) ومفرداته، وإخراجه الذي استطاع ان يضبط حركة تلك الأعداد الكبيرة من الممثلين والمغنيين والراقصين والصيادين والشيالين والجمَّالة بـ (شقادفهم) والفرسان بـ (أحصنتهم).. بذلك القدر الممتع والمقنع، لأعود إليه مرتين.. الأولى: مساء الثالث من أيامه.. بصحبة الإعلاميين الأستاذين عدنان صعيدي – مدير إذاعة نداء الإسلام – وعدنان باعبدالله.. كاتب البرامج الإذاعية المعروف، لأعيش – معهما – تفاصيل المهرجان والتعرف على فعالياته.. وقد شدني الكثير منها: كـ (معرض) الصور الفوتوغرافية الذي أقامته (شركة آرامكو) بالبهو الأرضي، والدور الأول من (بيت نصيف).. حيث عرضت مخزونها الفريد من الصور الفوتوغرافية التي لا يملكها أحد سواها.. عن (جدة) خصوصاً والمملكة عموماً في ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وكـ (مقعد) التراث الحضاري لمدينة جدة، وكـ (مسرح) الاسكتشات وهو يقدم حكايات الجدات للأطفال.. الذين أدهشتني بقدر ما أسعدتني كثرتهم، وهم يتجولون مع آبائهم وأمهاتهم في (المهرجان)، والسعادة تطل من أحداقهم.. مستمتعين بتلك الأكلات التراثية الشعبية، التي غدت نادرة.. بدءاً بـ (سحيِّرة) فرن عبدالعال.. إلى الحلاوة (السمسمية) و(المِشَبَّك).. إلى الكباب (الميرو).. إلى (الكوزي) ورزه الفاخر ولحمته الشهية..! أما عودتي الثانية لـ (المهرجان) عصراً.. في الرابع من أيامه فقد كانت لإجراء حوار تليفزيوني مع قناة (الميدان) عن (المهرجان) وعن كتابي (جدة: المكان والإنسان) وعن تصريح أمير السياحة المفرح بأن (زمن نسيان المنطقة التاريخية قد ولى)!! ••• لقد كان نجاح (المهرجان).. صارخاً، لا يحتاج إلى دليل.. إلا انه لم يكن مفاجئاً في تقديري، فمعظم الناس يحبون (المنطقة التاريخية) من (جدة).. سواء بـ (العشرة) والزيارة.. أو القراءة والسماع عنها، فالقليل الذي يرونه فيها من صيانة وترميم إضافة إلى فعاليات المهرجانات المعروفة.. يسعدهم، وقد يكفيهم، ولكنه لا يكفي (الحقيقة) ولا يسعدها.. بكل تأكيد..!! فنحن أمام منطقة تاريخية فريدة تترنح.. قبل سقوطها وإلى الأبد!! فهل نتركها تسقط..؟ أم نقوم بإنقاذها والحفاظ عليها.. بترصيف شوارعها وبرحاتها وأزقتها وغرس أركانها بـ (الزهور) وإضاءتها بـ (أتاريكها) التقليدية، وترميم وتشغيل مبانيها الخمسة والسبعون (الذهبية) معمارياً على الأقل. ولو بتوزيع بعضها على المؤسسات التربوية من الجامعات والمعاهد والمدارس الكبرى الحكومية والأهلية.. والجمعيات الثقافية والفنية.. والمؤسسات الاقتصادية التجارية والصناعية.. للاستفادة منها.. بإقامة معارضهم، وعقد لقاءاتهم ودوراتهم وورشهم ومؤتمراتهم فيها، فنفعل كما فعل ويفعل المتحضرون من أمم وشعوب الأرض في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا.. حتى نؤكد بكل ثقة واعتزاز أحقيتنا في تسجيلها ضمن التراث المعماري الإنساني العالمي الذي يتوجب الحفاظ عليه لدى (اليونسكو)..؟ أم نظل نجرؤ على إقامة مهرجان.. كهذا كل عام، ونفرح به ونسعد.. وسط مبان تأن وتتوجع وتتصدع..؟ إن (الأفكار) التي طرحها الشيخ صالح كامل، و(المشاريع) التي أشار إليها الدكتور هاني أبو راس.. في حفل افتتاح المهرجان، و(التصريح) المطمئن الذي أدلى به الأمير سلطان بن سلمان – قبل المهرجان -، و(خارطة الطريق) التي أعدها من قبل – في دراسة متكاملة – وكيل الأمانة الدكتور عبدالقادر عثمان أمير.. لـ (حماية وتحسين وإدارة جدة التاريخية).. تشكل مجتمعة (عربات قطار) إنقاذ المنطقة التاريخية.. إذا أرادت (القيادة)..؟! وإلا فاتركونا من هذه التصريحات الموسمية البراقة والطنانة، ودعوا الأجداد والآباء يبكون في قبورهم حسرة.. على ما بنوه وأنجزوه.. وضيعناه..!!