مشكلة المقال الأسبوعي أنه يتأخر أحيانا عن التفاعل مع المناسبات أو الأحداث، فنرجو المعذرة منك عزيزي القارئ على التأخير. قبل يومين مرت علينا ذكرى الغزو العراقي للكويت، وهذه الذكرى المأساة لا بد من التفاعل معها حتى لو تأخرنا قليلا. إن مثل هذه الكوارث التي عصفت بالأمة العربية تحتوي على عبر ومواعظ كثيرة ومتنوعة تتوالد كل عام... ففي مثل هذه الأيام قبل ٢٦ عاماً، غزا الجيش العراقي دولة الكويت بأوامر من صدام حسين، ثم تبع ذلك خلق تكتلات عربية تناقضت في ما بينها وولّدت اختلافات فكرية وأخلاقية ما زالت آثارها للأسف حتى اليوم. ولأن الحدث كان كبيراً وكبيراً جداً، فقد كنا نتمنى أن تنكشف لنا حقائق هذا الغزو حتى نعلم الحقيقة ونتعظ من التاريخ. لقد اختلفت الآراء حول سر الغزو، ولماذا أقدمت القيادة السياسية العراقية على هذه الخطوة المدمرة، وقد كنّا نظن أن محاكمة صدام حسين ورفاقه ستكشف لنا بعضاً من أسرار القرار، لكن المفاجأة أن التهمة التي حوكم وأُعدم عليها صدام كانت عبارة عن حادثة لا يمكن مقارنتها بزلزال الغزو ونتائجه، رغم فظاعتها، وهي مجزرة الدجيل. ففي 8 يوليو 1982، زار صدام حسين مدينة الدجيل لإلقاء خطاب يشيد فيه بالمجندين المحليين، وبعد عودته ومع ظهور موكبه على الطريق الرئيسية، أطلق ما يزيد على 10 مسلحين، كانوا متخفين في بساتين النخيل، النار عليه وتسبب ذلك بمقتل حارسين من حرس الحماية، ما دفع بصدام إلى الانتقام وتجريف المدينة وقتل نحو ١٥٠ فرداً من أهالي المدينة التي كانت معقلا لـ«حزب الدعوة»، العدو الأكبر لصدام. هذه الحادثة المحلية، اختارها قادة العراق الجدد لكشف كل تفاصيلها بالمحاكمة الطويلة وإعدام صدام بسببها، ولم تتم محاكمة صدام عن غزو الكويت، الغزو الذي نتج عنه مقتل أكثر من مئة ألف عراقي وأسر 30 ألفاً وتدمير العراق وحصاره وهروب مثقفيه وعلمائه... ألم يكن أولى لقادة العراق الجدد أن يحاكموا صدام ورفاقه على تلك الجريمة النكراء التى أضرت بالعراق ودمرته، (هذا إذا لم يكن يهمهم أمر الكويت وشهداءها وأسراها وخسائرها الفادحة)؟ ألا يكشف ذلك أن غزو الكويت كان بتواطؤ دولي تم فيه لاحقاً إخفاء أدلة الجريمة وشهودها والتغطية عليها بجريمة أخرى بتواطؤ من حكام العراق الجدد ومن أتى بهم للحكم. لقد تم التخلص من الشهود الرئيسيين وبَقي سر غزو الكويت غامضاً. هذا العام نستطيع أن نستخلص عبرة جديدة من الغزو العراقي للكويت، نعم ما زالت المؤامرة لم تنكشف أبعادها بعد وما زالت أصابعها متواجدة هناك. kalsalehdr@hotmail.com