يعتبر تصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي تنصلاً كبيراً من بروكسل. تلك هي الحقيقة المرة والضارية للاستفتاء الذي نظمه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. فبريطانيا، ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، ستغادر المشروع الأوروبي. مما يعني أن إحدى الدول القليلة في الاتحاد الأوروبي التي لديها جهاز دفاعي هائل، ودبلوماسية ذات ثقل، تتخلى عن أوروبا. وبصرف النظر عن الكيفية التي ينظر بها المرء إلى تلك المسألة المحزنة، إلا أنها بمثابة هزيمة للاتحاد الأوروبي الذي تُرك واهِناً. إذ يرى العالم الاتحاد، حالياً، ككيان آخذ في الضعف. وقد يفكر المرء بأن ذلك تقييم غير عادل، نظراً لسجل أوروبا. كما يمكن الحكم بأن ديفيد كاميرون كان مدافعا متواضعاً عن الاتحاد الأوروبي.. وذلك منذ أن كان زعيم حزب المحافظين، وبشكل أساسي، من المتشككين فيه، حيث نادرا ما كان يتحدث بغية دعم الاتحاد الأوروبي. قد نعتقد بأن البريطانيين خاضوا مخاطر هائلة، غير أن ذلك الأمر يخصهم وحدهم حالياً. فقد عمدوا لاتخاذ القرار بأنفسهم، وعلى نحو ديمقراطي. وهم بذلك يضعون نهاية لنحو 43 عاماً من المشاركة في المشروع الأوروبي، الذي لم يتضح بأنه أمر سيئ للغاية بالنسبة إليهم. بيد أن تصوراتنا الأولى تتعلق بالـ 27 بلدا التي تشكل أوروبا حالياً. فتلك بمثابة ضربة تاريخية بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يمكن لتلك الدول تجاهل عواقب خروج بريطانيا بكل بساطة. إن أسوأ شيء يمكن القيام به هو المضي قدماً كالمعتاد، وهو موقف يولد المزيد من الشكوك بالنسبة للاتحاد الأوروبي، أكثر مما يولد الحماس. كما تكمن أسوأ الأمور التي يمكننا فعلها اليوم في التفكير بأن ذلك مجرد قرار كارثي واحد اتخذه البريطانيون ليتراجعوا لجزيرتهم، وأنه لن يمنع المشروع الأوروبي من الاستمرار كما كان من ذي قبل. ويتبدى الموقف غير المسؤول، إلى أبعد حد، في إلقاء مطلق اللوم على الغوغائية، والخوف من الأجانب، والأكاذيب التي رافقت حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي. بإمكاننا، بكل تأكيد، إدانة الطبيعة السهلة للشعوبية الانتخابية، التي تم استغلالها، في هذه الحالة، بخبث، من قبل عمدة لندن السابق بوريس جونسون. إلا أن ذلك لا يعني أنه يتوجب علينا الاستسلام لمحاولة فهم رد الفعل البريطاني الرافض لأوروبا. لأنه في حال رضخنا لذلك التفسير السهل، سيواصل الاتحاد الأوروبي تقليص نفسه من خلال إجراء استفتاءات مماثلة.. ومغادرة دول من هنا وهناك. وبخلاف ذلك، لو أردنا أن لا يشير تاريخ 23 يونيو إلى بداية تفكك الاتحاد الأوروبي، يجب على الاتحاد إدراك أن قوى الاستفتاء البريطاني يجب أن تعكس، بعمق، ما يجب أن يصبح عليه. لن يتم حل مسألة ذلك الاتجاه الجديد الذي يجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذه في بضعة أسطر. لذلك دعونا نحاول وضع مسار محتمل، وبكل عناية. إذ لا يطالب الأوروبيون بتحسن، غير منقطع النظير، للسوق الواحدة، لكنهم ليسوا في حالة مزاجية اتحادية أيضاً. هم يرغبون بمزيد من الأمان في بيئة غير مستقرة. فضلاً عن رغبتهم في السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، في وقت يشهد تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين. يريد الأوروبيون المزيد من الديمقراطية الأوروبية، وذلك في الوقت والعصر الحالي لـالديمقراطية العاجلة التي أنشأتها الثورة الرقمية. مما يعني توفير تعاون معزز في مجال الدفاع والهجرة، فضلاً عن تعزيز العلاقة بين البرلمانات الوطنية، وذلك فيما يتعلق بقضايا الاتحاد الأوروبي. ويتعين على ذلك النوع من التوجه التوفيق بين المواطنين العاديين والاتحاد الأوروبي. لقد خاض رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون، مغامرة كبيرة وخسرها. ونتيجة لذلك، أعلن عن اعتزامه ترك منصبه في غضون أشهر قليلة. وحالياً، يعد تنظيم طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأن يكون كإجراء طويل ومعقد. كما تسمح المعاهدات بالتأخير لما يتراوح بين عامين إلى أربعة أعوام، للتفاوض حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد. إعصار يعارض البرلمان في وستمنيستر مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي. وبالفعل، فإن القادة من حملة المغادرة يقولون إنه ليس هنالك داعٍ للعجلة. وهم يريدون إطالة أمد الإجراء حتى عام 2020، فهم خائفون من مواجهة المجهول. إذ يرون الإعصار الذي يضرب كلاً من الجنيه الاسترليني ومدينتهم. كما يدركون أن الركود البريطاني ينتظر المزيد من الانخفاض، ويعرفون جيدا أن ذلك كان تصويتاً إنجليزياً، بحق، وأن اسكتلندا، ناهيك عن نطاق كبير من إيرلندا الشمالية، قد رفضت خروج بريطانيا. إن وحدة المملكة المتحدة واقعة حالياً، ومجدداً، تحت وطأة التهديد.وبالنسبة إلى ذلك السياق المضطرب، يجب على سكان القارة الأوروبية الالتزام بالمنافسة الشريفة. بيد أن الإنجليز قد أخذوا قرارهم، والخروج لا يعني سوى الخروج.