×
محافظة المدينة المنورة

مدخل بدر ..«أربع سنوات» من حصاد الأرواح لغياب الإنارة واللوحات

صورة الخبر

يعبّر بعض أصحاب التوجهات الدينية عن أفكارهم ومعتقداتهم أثناء المناقشات المباشرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة فظة واستعلائية حتى قبل أن يستوضحوا الفكرة، وقد قرأت مؤخرا تعليقا استفزازيا وهجوميا على رأي موضوعي لباحث وكاتب معروف ذكره عبر تغريدة، وعندما لم يرد عليه الباحث هنأه آخر ممن لف لفه قائلا:"لقد ألقمته حجرا، أحسنت". وأنا أسأل إذا كان الدين يدعو إلى الحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن فأين أولئك من هذا الخلق؟ ألم يشتمل القرآن الكريم على عشرات المفردات التي تعبر عن الحكمة والعلم؟ أين بسط الرأي وإبداء الحجج بعيدا عن الانفعال والسخرية؟ إذا كانوا يريدون استمالة الآخرين والتأثير عليهم فلماذا يستخدمون الطرق المنفرة والعدوانية؟ غير مقبول أن يستخدم الإنسان الدين سلاحا يستقوي به عند هجومه على من يخالفه في مسألة فيها وجهة نظر، فالإيمان العميق المتسلح بالعلم يُشعر صاحبه بالأمان والسكينة والثقة وهذا الشعور ينعكس على أخلاقه وأسلوب تعاطيه مع من حوله، فلا تجده ينتفض من أي نقد أو ملاحظة توجه له، أو رأي لا يتوافق مع أفكاره، لأن لديه الكثير من التسامح الذي يدعو إليه الدين، قال تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك). طبعا عندما أتكلم عن هؤلاء لا يعني أن الخلاف في الرأي في موضوعات أخرى يجري بسلاسة، فثقافة التهم أصبحت هي السائدة، وأي اختلاف يضعك في خانة مناقضة، بل إن التهمة كما يرى أحد الكتاب موجودة أساسا قبل الاختلاف والانتقاد.. إن التأمل في بعض ما يكتب في الصحف وفي وسائل التواصل أو ما يقال في الإعلام لا يجد مع الأسف ما يعود بالنفع علينا، فهو إما تبادل اتهامات وتشنيعا على الطرف الآخر يبدأ من العناوين لجذب الانتباه، أو ولعا بالنقل من كتب التراث واستلهام الأوصاف والأحداث وإسقاطها على الحاضر والعكس، أو نبشا في التاريخ القريب منه والبعيد لإثبات فكرة أو حكم مسبق، الأمر الذي يثير الأحقاد والصراعات في وقت أحوج ما نكون فيه إلى إظهار الحقائق ونقد الأوضاع بموضوعية بعيدا عن الإثارة والانتهازية والرغبة في إرضاء فريق على حساب آخر. نعيش هذه الأيام حروبا كلامية طاحنة بجانب الحروب الدموية التي أكلت الأخضر واليابس، نتيجة الجهل الناتج عن سوء الفهم أو بسبب العجز أو التهرب من الاقتراب من أصل المشكلات، أو بسبب الاستقطاب الحاد الذي أنهك القوى، وكل ذلك من أعراض التمزق، ولا خروج من هذا الوضع إلا ببناء الثقة وإجراء المصالحة مع النفس حتى نستطيع التحاور والتعامل مع الاختلاف بأسلوب عقلاني وحضاري..