عن تاريخ الفنون الإنسانية ومنها فن النقش والزخرفة بالجزيرة العربية، تنشر "الوطن"، بعضاً مما تعثر عليه لدى المهتمين والمختصين، عن تلك الفنون التي توشك على الاندثار والتلاشي، في محاولة لاستعادة رائحة التاريخ في مختلف مناطق المملكة. اللون في الجنوب تعتبر منطقة الباحة واسطة العقد بين المنطقة الغربية والمنطقة الجنوبية، بمبانيها الأثرية وقراها القديمة، التي يمتد عمرها لمئات السنين كقرى "ذي عين" بتهامة، و"عشم" وعشرات القرى في محافظات السراة، وبيوت بالرقوش ببني سار وغيرها كثير، وبعض البيوت التي اشتهرت بالنقوش، بعضها اندثرت، والأخرى يتم ترميمها. وأوضح نائب رئيس أدبي الباحة عبدالله غريب، أن النقوش التي وجدت في المنازل القديمة أو في بعض المواقع الأخرى في جنوب الجزيرة العربية، تعطي دلالات واضحة بأن إنسان هذه المنطقة استعان في تحديد هيئة وأشكال هذا النقوش، بما تضم بيئته من مظاهر وتباين في طبوجرافية المنطقة وجغرافيتها ونباتاتها وتضاريسها ذات الأشكال الهندسية الفريدة، والتي ساعدت الحرفيين على تشكيل هذه المواد من الأخشاب والأحجار والطين، على شكل نقوش زينت منازلهم ومع تطور الأدوات والتصنيع سواء البدائي كالقطران وما يسمونه بمادة القار، وجملوا بها هذه النقوش ليظهروا ما يبرز منها لتشكيل هذه النقوش وحتى قبل ما يزيد عن نصف قرن تقريبا حيث ظهر ما كان يسمى بـ(البوية)، وهي عبارة عن علب معدنية صغيرة بها سائل ملون كان لا يخرج عن الألوان الرئيسية الأزرق والأحمر والأصفر، وكان اللون الأسود واللون الأبيض مضافين إليهما إلا أن النجار تعرف على الألوان الأخرى من خلال مزج بعض الألوان مع بعضها ليظهر معه لونا آخر ولكن كان اللون الأخضر هو الأكثر دخولا على هذا الألوان. تنوع النقوش والنقوش في منطقة الباحة لا تقتصر على الأحجار والجدران الطينية فحسب ولكنها تتعدى لتشمل أدوات الزراعة مثلا ومنها بعض أدوات الحرث كـ"عود المحراث"، و"الضمد" الذي يربط بين الثيران، و"المقصب" الذي يسوي الأرض إلى أحواض، و"المدمس" الذي يسوي كامل الأرض بعد الانتهاء من حرث الأرض، وكانت النقوش تساير كثيرا من المصنوعات ومنها الحلي الفضية والملابس الشعبية المطرزة لدى الخياطين، وما يسمى بـ"الجبة أو البيدي" المصنوعة من صوف الأغنام للرجال، و"الجبة" الملونة بخيوط الصوف تستخدمها النساء، وكانت النقوش تدخل في أواني الطبخ كقدور الفخار وبعض الصحون الخشبية، ومنها ما يسمونه بـ"الصحفة" وحتى في مكاييل الحبوب وغربال تنقية الحب من الشوائب في موسم الحصاد، وتستخدم في مصنوعات الخوص في الأسلحة القديمة في كراسيها الخشبية ومعاليقها الجلدية، وكانت النقوش تدخل في ما يسمى بقتابة الجمل (الخي)، وبردعة الحمار والخُرج، وغمد السيف ولحاق الجنبية بالفضة، وعلى بوابات البيوت المسماة "الجباهة" التي تعلو الباب ومصاريع الأحواش، كذلك كانوا يستخدمون النقوش حتى في القبور القديمة، ومنها قبور الزينات المرصعة بالمرو، ومئات الحصون المتوجة بمثلثات المرو الأبيض. تدوين تاريخي يتطرق كتاب "كنوز غامد وزهران العمرانية" للمهندس سعيد الحسيل، لتاريخ المباني في القائمة في الباحة، وما طرأ عليها من تغييرات وتعديلات مع دخول مواد البناء الحديثة وكيف استغلها الفنيون كالبنائين والنحاتين ليمزجوا بين الماضي والحاضر باستغلال الموارد الجديدة لصالح الطابع العمراني مع بقاء البناء برونقه السابق، وتطعيم الحديث ببعض مقومات الطبيعة التي تشتهر بها الباحة. ويشير في عشرات الصور إلى مبان وحصون وقرى أثرية وقطع خشبية منقوشة لأبواب المنازل ونوافذها وللحواجز التي كانت تعمل بين الغرف في داخل البيوت وتسمى في الباحة (الشبكة) بفتح الشين وسكون الباء كذلك في البيوت القديمة بعض المسميات للأخشاب التي يقوم عليها البناء ومنها الدعم أو "الزافر" الذي يدعم السقف وما يسمى بالسواري، وهي التي تقوم مقام الجسور الأسمنتية حاليا وهي عبارة عن أخشاب معتدلة طويلة غليظة منقوشة تعلو ما يسمى بالوسادة التي تعلو الزافر ذات شكل مخروطي متناسق تبدأ ربما من قاعدة الزافر بنصف متر وتنتهي بنهاية الوسادة التي لا تقل عن متر وسماكة لا تقل عن عشرين سم حتى يستطيع النجار رسم النقوش، التي تليق بها وخاصة تلك التي تقام في مجالس الرجال فهي تزين بطريقة فنية أكثر دقة وأكثر جمالا وتنوعا، وكانت تطلى بمادة القار الأسود ثم بعد أن وردت الألوان بدأ النجار يستخدم الفرشاة بمقاسات معينة ليلون تلك النقوش، فظهرت أكثر جمالا وما زالت بعض هذه البيوت قائمة إلا أنها هُجرت من أهلها واستغنوا عنها، لتبقى أطلالا نتيجة للإهمال وعدم اكتشاف هذه الكنوز.