كان جيرالد فورد نائبا لريتشارد نيكسون. وعندما أُرغم هذا على الاستقالة، أصبح فورد رئيسا بصورة تلقائية. لكنه عندما خاض معركة الرئاسة التالية، خسرها. لم يقترع الأميركيون لرجل يؤرخ الآن على أنه من أكثر السياسيين خلقا. ويكتب مؤرخو الحرب الباردة الآن أن الاتحاد السوفياتي بدأ في السقوط عندما فتح فورد أمامه الأبواب عام 1975، من خلال اتفاقات هلسنكي التي وقّعها مع ليونيد بريجنيف. تعرّض فورد لانتقادات حادة بسبب سياسة الانفتاح على السوفيات. واتُّهم بأنه جاهل في السياسة الدولية، لكن فورد كان يؤمن بأن العالم ليس علبة كبريت متساوية، بل هو مجموعة شعوب وأمم. عرف ذلك عندما كان ضابطا في البحرية في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية. رأى نفسه يقاتل إلى جانب رجال لا يعرف لغاتهم وتاريخهم وطباعهم، كما يقاتل رجالا لا يعرف عنهم شيئا. وقرر أنه إذا ما خاض العمل السياسي ذات يوم، فسوف يخوضه باسم الانفتاح والتفاهم. كان وصوله إلى البيت الأبيض صدفة قدريّة، لكن جيرالد فورد دخل التاريخ خلال ولايته القصيرة من بابين: الأول، الانفتاح على السوفيات، والثاني، إصراره على انسحاب إسرائيل الفوري من أراضي 1967: «أردت أن يعرف الإسرائيليون أن هناك شيئا يسمى المبادلة. فإذا كنا سنبني قوتهم العسكرية، فإن لنا الحق بدورنا أن نرى بعض المرونة من جانبهم في سبيل الوصول إلى سلام دائم». وهدد فورد بأنه إذا لم تتجاوب إسرائيل، فسوف يدعو إلى مؤتمر دولي في جنيف حول المنطقة، أي أنه سيرفع عنها الحماية الأميركية المطلقة. لكن إسرائيل استمرت في المماطلة، فكتب في مذكراته أن «سلوكها الغريب قد أثار حنق المصريين، وأثار جنوني في وقت واحد». وأشار إلى عناد إسحق رابين، وقال: «إنه لا يدرك حقيقةَ أنك إذا لم تعطِ فلن تأخذ شيئا». كنت تلك الفترة في أميركا. وبالتالي، كنا نتابع تفاصيل السياسات اليومية مثل الأميركيين. وكان لدي انطباع بأن جيرالد فورد رجل بسيط، إضافة إلى أنه رجل سهل التعثّر والوقوع، وتكونت لدى الجميع صورة بأن فورد ليس «أكثر من جدّ طيب». وحول هذا الرجل الطيب احتشد المفترسون والمقتنصون، وأولهم دونالد رامسفيلد، الذي، سيصبح فيما بعد، خارب العراق. انتخب الأميركيون رونالد ريغان، وامتنعوا عن انتخاب جيرالد فورد. وانتخبوا جورج بوش الابن. ولا بأس أن نكرر قول البرتغالي جوزيه ساراماغو، إنهم شعب كبير يميل غالبا إلى انتخاب رؤساء صغار. ماذا لو انتُخب فورد لولاية واحدة؟ كيف سيكون الوضع في الشرق الأوسط اليوم، وعلى أي أسس كانت ستقوم العلاقات الروسية - الأميركية؟ الشعوب تنجر خلف من يغيِّرها. والشعب الأميركي الذي انتخب رونالد ريغان وجورج دبليو بوش مرتين رفض أن ينتخب جيرالد فورد مرة واحدة. الديمقراطية تخطئ أيضا.