في الآونة الأخيرة تجلّى الإعلام العربي في جلباب الأمة، الذي يستر عورات، ويقي زلات تمرّدت دهرًا، وقد تلوح في الافق بوادر خير لرأب الصدع العميق، الذي ألمّ في البيت العربي الكبير، وليس هناك مستحيل إن صدقت النوايا. تمر المنطقة العربية في منحنى خطير جدًا، فقد أذكى أعداء الإسلام الفتن ما ظهر منها وما بطن وأبغض الفتن الفتنة الطائفية المقيتة، التي مر عليها قرون وقرون، وتمادي بعض المارقين من كل الأطراف في استغلال الدين، وزج سذج العقول من الناس في سجال وشتائم، فقد تلطخت الأيادي بالدماء والضحية دائما الضعفاء والمساكين وأيضًا جميع الأطراف، وأخطاء الماضي لن يتحمل نتائجها إلا أبناء الجيل الجديد. ويبقى الحاضر والمستقبل بة جرح قديم وعميق، ولكن العلاج هل هو ممكن؟ نعم بل أنه موجود وفي متناول الجميع. هو الإعلام الذي له الدور الكبير والفعال في تقريب وجهات النظر واظهار الخبايا، ودورالإعلام ما هو إلا لتذليل ظلمات العقول والقلوب، التي تشبعت وعلى مدى قرون طويلة، من الكراهية والحقد، وعدم القبول بالاخر، بل حلل كل طرف دم الاخر وسفكه، وما تشاهده اليوم من قتل وتدمير، وتهجير وتغيير الهوية الدموغرافية للوطن العربي، وما يحاك للامة الاسلامية من مكائد يحتم علينا جميعًا أن نحكم العقل المنطق، على لغة القتل والاخذ بالثأر، وان نمد قناطر الود وأن نفتح أبواب التعايش الإيجابي، الذي يعيد للبيت العربي مكانته المرموقة، وأن لمّ الشمل ليس بالمستحيل، ولكنه يتطلب جهدًا كبيرًا. لقد عشنا ردحًا من الزمن نشاهد بعض القنوات الفضائية المأجورة وما تبث من سموم الكراهية والبغض في قلوب الناس، وعلى مراء ومسمع المجتمع، ولكن سرعان ما ذهبت وذهب اصحابها ادراج الرياح. ولكن الساحة العربية ولادة، ولم ولن تخلو من الأخيار وعلى رأس هذا كله القائمون على الإعلام العربي وما يقوم به من دور بناء، فقد نرى بوادر الخير تأتي أكلها، وهناك قنوات جمعت شمل الانسان العربي، وما يقوم به من من دور بناء، فنرى في البيت الواحد على سبيل المثال، نشاهد برامج بناءة تقدم المفيد، وتظهر الإنسان العربي على سجيته المتسامح الغيور، ولن نقول صحوة ضمير ولكن نقول إنما لا زلنا بخير، فقد شاهدنا برنامج الصدمة على (قناة ام بي سي) وما يدور من ردود فعل من أمانه وإخلاص غير مدفوعة مسبقا، وود غير معهود. تلك القناة (ام بي سي) السباقة في ابراز الجوانب الإيجابية، بل تتمتع بالشجاعة والاقدام عندما شاهدنا في ثاني يوم من رمضان المبارك، احدى حلقات المسلسل الرائع بكل مقايسه، (سلفي) والذي تناوله الممثل المتميز والمبدع ناصر القصبي، تناول موضوعًا من أهم المواضيع (النسيج الاجتماعي المتنافر) في وقتنا الحالي (يزيد... وعبد الزهرة) والذي دارت أحداث الحلقة حول خفايا التعبئة الفكرية بين الطائفية وكره للطرف للآخر، ولكن لم تنل تلك الأفكار من عبدالزهرة ويزيد، بل جمع بين نقيضين في آنٍ واحد، تناول القصبي، قضية الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، حيث وردت حلقة (على مذهبك) قصة طفلين ترعرع احدهما في اسرة سنية، والآخر في اخرى شيعية وبعد مضي عشرين عامًا، يكتشف بأن هناك خطأ من المستشفى بتبادل الاطفال وحينها يحاول يزيد الذي ترعرع ضمن العائلة السنية، التعامل مع اسرته البيولوجية، التي تحاول تبديل مذهبة، مبددا في الوقت نفسه بعض الافكار المسبقة لديها، كما يحاول عبدالزهرة الذي تربى عند الاسرة الشيعية، اقناع اسرته الحقيقية بعدم صحة الكثير من الافكار التي لديهم حول الآخرين، كان ملخص الحلقة (أن كل مولود يولد على الفطرة) وأن اختلاف المذهب لا يعني اختلاف الدين. ولكن لم تنل تلك الأفكار من عبدالزهرة ويزيد بل جمع بين النقيضين في آنٍ واحد وخرج بنتاج ناضج قبل كل طرف بالاخر وفضلا الرحيل عن مجتمع يأكل بعضه البعض. لاقت الحلقة رواجًا كبيرًا على نطاق التواصل الاجتماعي، اذ اشاد بها آلالاف من المؤيدين بتناول الفكر الطائفي ببراعة وبجرأة لقضية حساسة في الشرق الاوسط. بالفعل حلقة سلفي قد هزت لدقائق حواجز الكراهية والحزبية التي بنيت من خلال عهود. نحن في امس الحاجة السعي نحو التنوير الثقافي، والتنوير الذي يقوم على تقديس العقيدة الصحيحة الاولى وعلى منطق العقل، وعلى الايمان بأن الثقافة الخالدة انما هي ثقافة الانسانية، التي تتخطى حدود الزمان والمكان ويحث من التحرر من الرجعية، والكراهية، والحزبية، بل التعايش ثم التعايش كأسرة واحدة، وهذا مما لاشك فيه في البحرين ومازلنا بألف خير.