في صالون التجميل جلست أنتظر دوري.. لم أعتد زيارة هذه الأماكن لانشغالي الدائم إما بدراستي أو بعملي، لكنّني اليوم، وللوهلة الأولى شعرتُ أنني لم آتِ هنا قبلاً. العالم داخل الصّالون يختلف عن خارجه، عندما تدخله تشعر وكأنك غادرت إلى كوكب آخر أو ربما حتى مجرة أخرى. الناس هنا ليسوا كالناس بالخارج هم كائنات غريبة، أشكالها ليست كمثيلاتها على الأرض، حتى أفكارهم، همومهم، ومشاكلهم لا تشبه تلك التي تقبع خارج حدود الصالون. جلست أنتظر، لم أقصد استراق السمع إلى الأحاديث الجانبية، لكنني لسببٍ ما لم أستطِع منع نفسي! تلك تريد قص شعرها والأخرى تريد مكياجاً، أو طلاءً، أو حتّى تركيب وجهٍ جديدٍ بالكامل، وأخرياتٌ يردن تزيين الذي لم أكُن أعرف أنه يُزيَّن قبلاً! إلّا مللُ الانتظار، أو ربما حشرية الاستكشاف، دفعني للاستمرار في الإنصات. كان من المفترض أن تشعرني هذه الزيارة بالسعادة.. فبحق الفطرة الإنسانية النسويّة، من هي حقاً تلك الفتاة التي يحزنها أن تبدو جميلة؟ أنا! أنا أحزنني ذلك. الأحاديثُ الجانبية التي أنصتُّ إليها "بالصدفة" أصابتني بخيبة أمل كبيرة؛ وأكاد أجزم أن هذه الخيبة ما هي إلا عاقبة حشريتي الزائدة!! الفتياتُ هنا يبدو أنّهن لا يمتلكن معرفة عميقة في أي موضوعٍ آخر غير التجميل والجمال ومعاييره، فيتجنّبن الخروج عن نفس الفكرة. لم أكن أعرف أن المعايير كثيرة هكذا، وأن الفتاة تُجرى لها عشرات التقييمات قبل أن يقال عنها "جميلة". "جميلة" هي مجرد كلمة من خمسة حروف، لكنني استنتجت بعد زيارتي أن كل حرف يحمل في طياته عشرات الصفات والامتحانات، لم يعد هناك فتاة "نحيفة" أو "ممتلئة" فقط، بل عشرات الأشكال غيرها، هناك على الأقل عشرون درجة مختلفة لسمار البشرة أو بياضها، وعلى الأقل عشر درجات لتحديد ما إذا كان الشعر مجعداً أو أملس. شكل الحاجبين له اختبار خاص، وحتى شكل الفك وعظام الخدين لهما اختبارهما وأشكالهما و"جمالهما"، أشكال الأظافر، استدارتها، وحتى حدتها -كما يزعم سكان الصالون- لها المقدرة على تحديد شخصية الفتاة المتزيِّنة... والكثير من المعايير غيرها التي أعتذر عن ذكرها رغبةً في الحفاظ على صورة المرأة الناضجة في مجتمعاتنا "المتحضرة." المثير للاشمئزاز أكثر أن الفتيات لا يكتفين بالتحدث عن معايير الجمال فقط، بل يجرين مسحاً كاملاً ومفصلاً عن كل فتاة موجودة في هذا المكان. من دون مبالغة، كمية النقد التي تتعرض لها أي فتاة في الصالون من أخرى موجودة في نفس المكان، قادرة على تدمير نفسيتها وطموحاتها إن شاء القدر واستمعَت إليها. وأعتقد، أن تلك التي تمضي وقتها تنتقد الأخريات هنا، لا تشعر بالذنب لارتكابها هذه الخطيئة؛ لأنها تعلم جيداً أن مثيلاتها يجلِسن في زاوية أخرى ينتقدنها هي أيضاً. السؤال الأهم منا: مَن فعل هذا بنا؟ كنت أتصفح الفيسبوك صباح نفس اليوم وقرأت عن حملات لمنع تسليع النساء وأجسادهن، أو إطلاق الأحكام عليهن بناء على أشكالهن، حملات كثيرة تهاجم الرجال وفكر الرجال وتزعم أنه (الرجل) السبب الأول في النظرة الدونية التي تتعرض لها المرأة اليوم. لكن حقاً، مَن فعل هذا بنا؟ مَن ارتكب فينا -نحن النساء- تلك الجريمة؟ لا أنكر أخطاء الرجل ودوره، لكن ألم نكن نحن قادرات على منع تلك الثقافة القذرة من الانتشار؟ عزيزتي الأنثى، برغم كل الاضطهاد والظلم الذي قد تتعرضين له، منطقيّاً، لا يمكنك الخروج في مظاهرةٍ تناهض النظرة الدونيّة للمرأة، ومن ثم أن تعودي لصالون التجميل لتقصفي جبهة امرأة أخرى بأحكامك السطحية. لا يمكنك أن تكوني "فامينيست" ومن ثم أن تعودي للصالون لتطلبي تحويلك لدمية باربي بلاستيكية لترضي غيرك. منطقياً، لا يمكنك فعل ذلك! فلماذا، نحن النسوة، إلى حدّ معيّن، ننافق أنفسنا؟ عزيزتي، أنت جميلة، لست بحاجة لأربع طبقات مكثفة من الرموش الاصطناعية لتبرهني ذلك، وأنت، أصلاً، لست بحاجة لتبرهني ذلك لأيّ كان. تفكّري قبل أن تتجهي لكوكب صالون التجميل، وتفكّري مرةً أخرى قبل أن تفتحي فمك لتحكمي على امرأة غيرك شدّتها تلك الرغبة بزيارة الصالون! وتذكري.. قبل أن تبدئي بذاك الحديث المشؤوم، أن هناك شابة صغيرة تجلس في الزاوية وحدَها تستمع إليك، ومن شدة صدمتها والخوف من تقييمك لجمالها، قد لا تعود للصالون مرة أخرى. هي حقاً، قد لا تعود! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.