الدكتور مرسى هو أول رئيس منتخب فى تاريخ دولة عمرها أكثر من سبعة آلاف عام. تلك حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، بصرف النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا الفكرى أو السياسى مع رئيس مصر المنتخب، وأيا كانت تفسيراتنا لطبيعة وخصوصية اللحظة التى جرت فيها الانتخابات التى أتت به رئيساً. ولأن تعيين حكومة جديدة، خلفاً لحكومة الدكتور كمال الجنزورى، آخر حكومات عهود ما قبل الانتخابات الرئاسية، يعد أول اختبار حقيقى للرئيس المنتخب، فقد كان الشعب المصرى فى حالة شوق شديد للتعرف على أسلوب هذا الرئيس ومعايير اختياره لأول رئيس للحكومة فى عهده. كان هناك إدراك واع بأن تركة النظام القديم ثقيلة إلى درجة مخيفة، كما كان هناك إدراك واع بأن حمل مسؤولية إدارة الدولة والمجتمع، عقب ثورة كبرى، ثم عقب فترة انتقالية فاشلة، يحتاج إلى رجال من نوع خاص. ولأن مجلس الشعب كان قد تم حله قبل انتخابات الرئاسة، فلم يواجه رئيس الدولة بأى قيود سياسية أو قانونية تحول دون اختياره من يريد رئيساً لحكومته الجديدة، وبالتالى كان أمامه بحر واسع من شعب كبير يتكون من 90 مليون مواطن يعيشون بالداخل والخارج يستطيع أن يختار من بينهم واحداً مؤهلاً لتكليفه بتشكيل الحكومة التى يريدها، لكنه لم يعثر على من هو أفضل من الدكتور هشام قنديل، وزير الرى فى حكومة الدكتور الجنزورى، للقيام بهذه المهمة الصعبة. ولأن أحداً قط لم يكن قد سمع عن تميز رئيس الحكومة المكلف، لا على الصعيد السياسى ولا على الصعيد الإدارى ولا على الصعيد الفنى، فقد راح الناس يتساءلون حول حقيقة الأسباب الكامنة وراء هذا الاختيار الصادم فى مثل هذا التوقيت الحساس. وعندما أتم الرجل تشكيل حكومته، أدرك كثيرون أنها حكومة بلا لون أو طعم أو رائحة. فلا هى بحكومة «سياسية» اختير أعضاؤها بالتشاور مع حزب أو مع ائتلاف حصل على أغلبية المقاعد فى آخر انتخابات برلمانية، ولا هى بحكومة «تكنوقراط» اختير أعضاؤها وفقاً لمعايير الكفاءة الفنية والمهنية، دونما اعتبار لانتماءاتهم الحزبية أو الأيديولوجية، وإنما هى حكومة خليط من ذلك كله لا يعكس تشكيلها على هذا النحو اللقيط وجود «منطق» أو «منهج» أو «فلسفة» يمكن رصدها أو تحديد معالمها. كان تقديرى منذ اللحظة الأولى، وهو ما عبرت عنه كتابة فور تشكيل حكومة قنديل الأولى، أن هذه الحكومة ليست على مستوى المهمة المكلفة بها، وأنها لن تستطيع القيام بأعبائها على النحو المطلوب. ولم يكن لدىّ من تفسير لتشكيلها على النحو الذى ظهرت به سوى أن الرئيس يفضل حكومة ضعيفة تقبل أن تلعب دور «الواجهة» لحكومة أخرى خفية هى «حكومة مكتب الإرشاد»، لم يكن الوقت مناسباً لتكليفها بتحمل المسؤولية رسمياً. ولأنه لم يكن للحكومة الحقيقية أو الفعلية سوى هدف واحد وهو تمهيد الطريق نحو «أخونة الدولة»، فى ظروف صعبة، وكانت تدرك يقيناً أنها سوف تواجه بمقاومة شرسة من أطراف عديدة ترفض «أخونة الدولة»، فقد كان من الضرورى أن تتحول إلى «حكومة خفية» تعمل فى الظلام ومن وراء ستار. غير أن هذا التفسير لم يكن فى ذلك الوقت، أى إبان التشكيل الأول لحكومة قنديل، سوى مجرد «فرضية» يتعين إخضاعها للاختبار. وأظن أنه ثبت الآن بالدليل القاطع، بعد فترة اختبار طالت لأكثر من ستة أشهر، أن رفض الدكتور مرسى تشكيل حكومة جديدة، وإصراره بدلاً من ذلك على إجراء تعديل محدود فى وزارة قنديل، رغم فشلها الذريع فى تحقيق أى من أهداف الثورة أو تحسين أحوال المصريين الذين يعيش ما يقرب من نصفهم تحت خط الفقر- ليس له عندى سوى معنى واحد، هو حرص الرئيس «الإخوانى» على الاستمرار فى عملية «الأخونة» التى يقودها مكتب الإرشاد، ولكن من وراء ستار. فهل سينجح التعديل الذى يتم الآن فى تحويل «الستار الفاصل» بين الحكومة الخفية والحكومة الحقيقية إلى «جدار عازل» يحجب عن الشعب مخططات الإخوان الاستيطانية للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية؟ أشك كثيراً، وأعتقد أن التعديل القادم، فى حال الإصرار على إجرائه بالطريقة التى تم الإعلان عنها، سيجعل الستار الفاصل بين الحكومة ومكتب الإرشاد أكثر شفافية، وبالتالى أكثر قدرة على فضح المخططات الاستيطانية الإخوانية. فلمَ كل هذا اللف والدوران؟ أتمنى أن تكون لدى الرئيس المنتخب الجرأة الكافية لتكليف المهندس خيرت الشاطر بتشكيل حكومة جديدة، فهذا أكرم له وأفضل لنا. *نقلاً عن "المصري اليوم" ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.