احتفت تونس بمنح جائزة نوبل للسلام لسنة 2015، أمس، للرباعي الراعي لحوارها المتكون من الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (نقابة رجال الأعمال)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهيئة المحامين التونسيين (نقابة المحامين)، وذلك لنجاحه في تأمين مناخ اجتماعي وسياسي للحوار في تونس وإبعاد شبح التقاتل، على الرغم من اختلاف الرؤى والأفكار. وأكد الباجي قائد السبسي، الرئيس التونسي الحالي، في تصريح إعلامي، أن «جائزة نوبل للسلام تكرس مبدأ الحلول التوافقية الذي انتهجته تونس عبر الحوار الوطني، بعيدًا عن منطق القوة». وأضاف أن «تونس لا تمتلك أي حل آخر سوى الحوار على الرغم من الاختلافات السياسية والفكرية العميقة بين مختلف الأطراف»، مشيرًا إلى أنه أكد هذا الأمر من جديد خلال لقائه أمس راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، ومحسن مرزوق، الأمين العام لحركة نداء تونس. بدوره، قال الغنوشي إن الرباعي نال الجائزة عن «استحقاق وجدارة»، وأعاد التأكيد على التزام حزبه بمبدأ الحوار والتوافق السياسي حول مختلف الملفات. وكان السبسي مؤسس حركة نداء تونس، والغنوشي، قد التقيا في 15 أغسطس (آب) 2013 في العاصمة الفرنسية باريس، فيما بات يعرف في تونس بـ«لقاء الشيخين»، واتفقا على ضرورة اللجوء إلى الحوار لإنقاذ تونس من مأزق سياسي حقيقي. وأفرز ذاك اللقاء انطلاق الحوار السياسي في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) من السنة نفسها، بعد الاتفاق على تنفيذ مبادرة الرباعي الذي قاد الحوار الوطني. إلى ذلك، اعتبر الحبيب الصيد، رئيس الحكومة التونسية، الفوز «فخرًا لجميع التونسيين الذين ضحوا بالكثير من أجل الحرية». من جهته، قال حسين العباسي، رئيس نقابة العمال، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الرباعي الراعي للحوار «دفع بكل قوته نحو الحوار وأسكت صوت البندقية والمدفع لكي يجد الفرقاء السياسيون حلولاً عبر الحوار وهو ما جنب تونس الكثير من الكوارث والمطبات السياسية والاجتماعية». واعتبر أن هذه الجائزة جاءت في الوقت المناسب حتى يستعيد التونسيون تصميمهم في مقاومة الإرهاب وإرساء الأمن السياسي والاجتماعي وإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي. ونجح الرباعي الراعي للحوار في تجنب إحدى الأزمات السياسية الحادة التي عاشتها تونس خلال سنة 2013، فبعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد والنائب البرلماني عن التيار القومي محمد البراهمي، برز اختلاف عميق بين السلطة القائمة ممثلة في تحالف «الترويكا» بزعامة حركة النهضة وحليفيها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حزب المنصف المرزوقي) وحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذي يقوده مصطفى بن جعفر، والمعارضة ممثلة في أحزاب يسارية وليبرالية من بينها تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي، وحركة نداء تونس التي أسسها الباجي قائد السبسي. وإثر تعمق الأزمة بين الطرفين والتهديد باقتحام المجلس التأسيسي (البرلمان)، ونزول المعارضة إلى الشارع في اعتصام أمام مبنى البرلمان التونسي، تم الاتفاق على قبول مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني بعد رفض عدة مبادرات تقدمت بها منظمات وشخصيات تونسية. واتفقت المعارضة وتحالف «الترويكا» على خريطة طريق واضحة الأهداف والمراحل من أهدافها الرئيسية التسريع بالتصديق على دستور تونسي جديد ثم استقالة حكومة علي العريض القيادي في حركة النهضة، وتعويضها بحكومة تكنوقراط وانتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتصديق على القانون الانتخابي. ووقف التونسيون وبقية البلدان المتابعة لعملية الانتقال الديمقراطي في تونس على نتائج الحوار الوطني الذي قاده الرباعي المذكور، بداية من شهر يناير (كانون الثاني) 2014 بعد المصادقة على دستور جديد بأغلبية كاسحة بلغت مائتي صوت من جملة 216 في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، وهو ما أدى لاحقًا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة ترأسها مهدي جمعة، ومن أهم أدوارها تهيئة البلاد لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية سنة 2014 بهدف إنهاء الوضع السياسي المؤقت وإرساء دعائم وضع سياسي دائم.