هذا هو النداء الذى أطلقه مؤخرا العالم المصرى الكبير الدكتور فاروق الباز، داعيا خلاله الشباب، أصحاب الثورة الحقيقيين، كما وصفهم، لاستكمال ثورتهم، مخاطبا بالتحديد شباب الجامعات على اعتبار انهم كانوا فى المقدمة من الشباب، وأنهم هم الذين يملكون أدوات الثورة والتى يرى الدكتور الباز انها تعنى أول ما تعنى ازدهار المستقبل، والذى يرى ان سماءه غير صافية، لغياب حكمة القيادة، وشجار الساسة الدائم الذى نشر اليأس والاحباط بين صفوف الشباب، لذا فهو يرى فى دعوته للشباب لاستكمال الثورة، الان، طريقا وحيدا مجديا وهو العمل الجماعى المجتمعى، لان العمل الفردى ولى زمانه، ولان العمل المجتمعى يفيد شرائح أكثر من المواطنين، وهذا هو العمل الثورى الحقيقى من وجهة نظره، كما ان ذلك هو المسار الآمن نحو مستقبل أفضل. الدكتور الباز، كشف فى مقاله الذى نشره فى مجلة البيئة والتنمية فى بيروت، أن الشباب نجح كثيرا من قبل وحقق نتائج باهرة عبر عمله الجماعى داخل محيط الجامعة، وان الوقت قد حان للعمل خارجها، وحدد العالم الكبير أربعة محاور أساسية لهذا العمل كبداية للانطلاق يراها ضرورة لمصر وهى: محو الأمية، وتطهير النيل، وتجميل القرى، والنظافة، وهو على يقين ان الشباب قادر على التصدى لهذه المشكلات فى ظل الاهمال الكامل من الدولة لها، وعلى الاقل سيشعر الشباب انه يتقدم للامام بالفعل، يأتى كلام عالمنا الكبير، فى لحظة خاصة انحسر فيها الصراع السياسى على قضايا شديدة الضيق لا تغنى و لا تسمن من جوع، عنوانها الابرز بين مؤيد للاخوان ومعارض للجماعة، دون ان تكون على أجندتنا، أى قضايا يعانى منها المجتمع بالفعل وهو المجتمع الذى انتظر هذه الثورة من أجل تصحيح المسار والقضاء على المعاناة فلم ير حتى الان الا زيادة فى معاناته وتكالب المشكلات عليه، وكأن الثورة أوجعته، أكثر من كونها عالجته، وهى بدايات واضحة للانقلاب على الثورة بكافة اطرافها.. من يحكم باسمها ومن يعارض باسمها ايضا، واذا لم يفهم الطرفان ذلك فعليهم مراجعة الشعبية الجارفة لفكرة عودة القوات المسلحة لادارة البلاد، وهى لا تعنى سوى ان من يحكم لا يصلح، وأيضا ان بديله لا يصلح، والخوف هنا ليس على هذين الطرفين بالتحديد، بل الخوف على الثورة نفسها والتى من الاكيد انها لم تندلع من أجل ان الحكم العسكرى هو الحل المثالى لادارة البلاد وتخليصها من الفساد ومن الاضطراب السياسى المجانى الملتحف طوال الوقت بانفلات أمنى مشفوع بشبح دائم بتعبير مرعب اسمه الحرب الاهلية. قد يبدو كلام الدكتور الباز رومانسيا حالما، لا يشفى غليل الشباب الغاضب، بل سيعتبره البعض منهم سذاجة تليق برجل علم لا يعلم مكنونات السياسة وخفاياها، فهو طريق ناعم لاستكمال الثورة، التى باتت من وجهة نظر البعض تحتاج لمزيد من العنف والدماء حتى تحقق أهدافها ونتائجها المرجوة، وهى بصراحة شديدة قسوة فى الافكار لم نعتدها عندنا، إلى جانب انه كلام مرسل من الصعب العثور له على أدلة تثبت صحته، وبصراحة أكثر العودة لتاريخ ثورات قديمة لفهم ثورتنا، عودة خاطئة وغير مفهومة، فالتاريخ تحرك كثيرا، والبشرية أنجزت بالتنمية ما لم تنجزه ثورات عظيمة لها شأنها ومكانتها فى التاريخ، لكن فهم اللحظة، هو المطلوب للثورة المصرية، وأعتقد ان الدكتور فاروق الباز لمس بما قاله جزءا أصيلا من مستقبل استمرار الثورة، ونبهنا لضرورة الحفاظ على أبطالها الحقيقيين، كاشفا لنا كيف تتم صناعة المستقبل، وساعتها ستسقط كل الأكاذيب وستتبدد كافة الخرافات وسيختفى الكاذبون والعابثون أصحاب المصالح الضيقة، من دون الحاجة لاراقة المزيد من الدماء وتقديم الكثير من الشهداء. نقلاً عن صحيفة الشروق ** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.