توقّع آدام تايلور في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية ألا يعتذر أوباما، خلال زيارته لهيروشيما، عن القنبلة الذرية التي ألقتها أمريكا على المدينة سنة 1945، ذاكراً سلسلة أحداث لم تعتذر عنها اتهمت بها ولم تعتذر عنها، كما ذكر موقع 24 الإماراتي. وعن سبب عدم الاعتذار، ذكر أنّه إلى جانب الحجة القائلة بأن القصف سرّع في إنهاء الحرب، تبرز حجّة أوسع وربما أكثر إقناعاً: الاعتذار بكل بساطة ليس أمراً تفعله الولايات المتحدة أو دول عدّة أخرى. "لا نعتذر، أبداً" كما قالت البروفسورة في جامعة دارتموث جينيفر ليند صاحبة كتاب: "الدول الآسفة: الاعتذارات في السياسات الدولية". وأضافت "الدول عموماً لا تعتذر على العنف ضدّ دول أخرى". لكنّ تايلور يتابع عبر طرح سؤال لافت: "ما الأمور الأخرى التي لم تعتذر أمريكا عنها؟" فيجيب بأمثلة عمّا أسماه أفكاراً عدّة. العميل البرتقالي: خلال حرب فيتنام، ألقت واشنطن حوالي 12 مليون رطل من العميل البرتقالي، (اسم حركي ل) مبيد أعشاب فوق مناطق في فيتنام، كمبوديا ولاوس في محاولة لإزالة الغطاء عن الفييتكونغ وقتل المحاصيل الزراعية. منذ ذلك الحين، قدّر الصليب الأحمر في فيتنام بحوالي مليون شخص عدد المعوّقين والمعانين من مشاكل صحية بسبب الاحتكاك بالمبيد. وأنفقت واشنطن أكثر من 100 مليون دولار للمساعدة في تنظيف الفوضى التي خلفتها المبيدات، فيما خصّص الكونغرس مبالغ (أصغر بكثير) على برامج الصحة والاحتياجات الخاصة التي استهدفت غالباً أولئك الذين تضرروا من العميل البرتقالي. مع ذلك، لكن لم يكن هنالك اعتذار عن هذا الأمر أو عن استخدامها الموسّع للألغام الأرضية. انقلاب 1953 في تلك السنة، أطيح رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديموقراطياً محمّد مصدّق بانقلاب. وتمّ تثبيت محمّد رضا بهلوي كشاه لإيران، مشرفاً على سياسات كان ينظر إليها على نطاق واسع بأنها قمعية وفاسدة. وبدوره خُلع الشاه من الحكم في الثورة الإيرانية سنة 1979. في وثائق رفعت السرية عنها، اعترفت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) بأن الإطاحة بمصدق "نُفذت تحت إشراف سي آي أي كعمل من أعمال السياسة الخارجية الأمريكية، تم التخطيط والموافقة عليها على أعلى المستويات في الحكومة" بمساعدة من الاستخبارات البريطانية. على الرغم من ذلك، لم تعتذر أمريكا أو بريطانيا عن دورهما في الانقلاب، مع إعلان إدارة أوباما مؤخراً بأنها لا تفكر بذلك. واعترف بالتأثيرات السلبية للانقلاب بعض الوجوه في أمريكا من بينهم مادلين أولبرايت. انقلاب آخر يشتبه على نطاق واسع في أن الولايات المتحدة متورطة في الانقلاب الدموي سنة 1973 الذي أطاح بالرئيس الاشتراكي سلفادور ألليندي وجلب الديكتاتور أغوستو بينوشي إلى الحكم. سي آي أي نفت أيّ تورّط مباشر بالانقلاب، على الرغم من اعترافها بأنها كانت معارضة لرئاسة ألليندي. عام 1977، برادي تايسون، نائب رئيس وفد الولايات المتحدة إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في سويسرا، حاول أن يقدّم اعتذاراً عن الانقلاب، لكن تمّ نفي كلامه بسرعة من قبل وزارة الخارجية. حين سافر أوباما إلى تشيلي سنة 2011، نحّى جانباً طلب مراسل تشيلي بالاعتذار قائلاً: "لسنا عالقين في تاريخنا". تجارة الرقيق في الغرب الأفريقي قدّم الكونغرس اعتذاراً عن العبودية للأمريكيين الأفارقة سنة 2009 (على الرغم من أنّه صيغ بطريقة عنت بأنه لا يمكن استخدامه كتبرير قانوني للمطالبة بتعويضات). لكن أي اعتذارات قدّمت إلى الدول الأفريقية التي ساعدت تجارة العبيد في تشكيل تاريخها الحديث؟ ليس الكثير على ما يبدو. الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون اقترب من تقديم اعتذار خلال جولة رئاسية في أوغندا سنة 1998 قائلاً: "كنّا مخطئين في ذلك". معظم الرقيق أتوا من غرب أفريقيا لا أوغندا. كان كلينتون في السنغال، قبل أسبوع فقط، حيث كان يمكن لتعليقاته أن تحمل وزناً أهم بكثير. دعم ديكتاتور الكونغو وكان باتريس لومومبا رئيس الوزراء الكونغولي الأول المنتخب ديموقراطياً. ومع ذلك، أطيح به بعد 12 أسبوعاً على بداية عهده ثم قتل بعد 4 أشهر على ذلك في 2 يوليو 1961. الاغتيال الذي جرى بعد 7 أشهر على استقلال بلاده عن بلجيكا، وفي حرارة الحرب الباردة، أصبح ينظر إليه ككارثة للدولة المعانية من المشاكل. اعترفت بلجيكا بدورها في الاغتيال سنة 2002 وقدمت اعتذاراتها الرسمية عن الخطوة. من غير الواضح إذا كان للسي آي أي أي دور مباشر في المؤامرة، لكن المعلوم أنّها شنت عمليات سرية ضخمة في الكونغو خلال تلك الفترة. واشنطن ستدعم عمّا قريب الديكتاتور جوزف ديزيري موبوتو(الذي غير اسمه لاحقاً إلى موبوتو سيسي سيكو) ونظامه الهائل الفساد لعقود. اجتياح العراق من الواضح أنّ الاجتياح الذي قادته أمريكا للعراق سنة 2003 هو واحد من أكثر اللحظات إثارة للجدل في التاريخ الحديث. جورج بوش الابن الذي أمر بشنّ الاجتياح قال لقناة سي أن أن الأمريكية سنة 2010: "أنا مقتنع لو أنّ صدّام حسين كان في السلطة اليوم، فإن العالم سيكون أسوأ بكثير". الرحلة الجوية الإيرانية 655 في 3 يوليو 1988 أطلقت سفن يو أس أس فينسينز الحربية الأمريكية صاروخين باتجاه طائرة تمّ الاعتقاد خطأ بأنها مقاتلة أف 14 تطير فوق الخليج العربي. لكن الطائرة كانت رحلة جوية مدنية حيث قضى جميع ركابها البالغ عددهم 290 شخصاً. إسقاط الطائرة حدث خلال فترة توتر بين إيران وأمريكا التي كانت تدعم العراق في حربه ضدّ الأولى. على الرغم من الطابع المأسوي للحادث قدمت واشنطن القليل من الندم. سنة 1996 بيل كلينتون أبدى أسفه على الحادث ودفعت أمريكا 131.8 مليون دولار كتعويض حيث ذهب 61.8 مليوناً لعائلات الضحايا. لكن لا اعتذار رسمياً أو اعترافاً بارتكاب خطأ تم تقديمهما مطلقاً. ما الاعتذارات التي قدمت؟ يعرض تايلور لأمثلة قليلة في هذا المجال، منها اعتذار واشنطن سنة 2010 عن الاختبارات التي أجرتها على الغواتيماليين سنة 1940 والاعتذار التي قدمته سنة 1993 على الإطاحة بالملكية في هاواي سنة 1893. وفي 2012 اعتذر أوباما بكثرة عن تورّط للجيش الأمريكي في إحراق نسخ من القرآن الكريم في أفغانستان سنة 2012. عموماً، تميل الاعتذارات إلى أن تكون الاستثناء لا القاعدة. المنطق هنا ليس أخلاقياً بل سياسياً. لأنها تكون مثيرة للجدل من جانب المعتذرين، كما فسّرت ليند، ما يعني أن الاعتذار قد يكون ملطّفاً أو تعوزه الحماسة. بالمقابل، يكون الشعب في الدول التي تتلقى الاعتذار، غير راضٍ غالباً، مثيراً صداعاً سياسياً أكثر. وهناك نقاشات حول ما الذي يشكل اعتذاراً رسمياً وكيف يمكن له أن يؤثر على الدعوات لتعوضيات قانونية. في النهاية، تميل دول عدّة –بما فيها الولايات المتحدة – إلى تفادي الاعتذارات، معتقدة على ما يبدو أن الماضي أفضل إذا تُرك مدفوناً.