لم يعد الفلسطينيون يكترثون، بما يجري خلف الأبواب المغلقة، وما يصدر عنها من تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تضع أملاً بمستقبل أفضل مما هم فيه من ضيق وحصار وقهر يومي تمارسه سلطات الاحتلال الصهيوني سواء في غزة أو في القدس أو في الأنحاء المتفرقة من الضفة الغربية، وما سياسة التوسع الاستيطاني وتدنيس المقدسات اليومي، والقتل والمطاردة والاعتقالات التي يتعرض إليها الشباب الفلسطيني والتي كان آخرها فجر يوم السبت 22/03/2014م في مدينة جنين، إلا برهان أكيد على استمرار وتمسك حكومة الكيان الصهيوني بسياستها الفاشية والعنصرية، المتناقضة مع أبسط أسس التهدئة التي توفر مناخاً مناسباً لإجراء مفاوضات تفضي إلى شكل من أشكال السلام الذي ملَّ الفلسطينيون انتظاره..! إن انشغال العالم العربي بأزمات ربيعه الدامي، وتقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته واحترام قراراته وتوصياته بشأن حماية الفلسطينيين تحت الاحتلال، وعدم ممارسة الضغط الكافي على حكومة الكيان الصهيوني لإجبارها على الالتزام بقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية في تعاملها مع الفلسطينيين والكف عن سياستها التوسعية والعنصرية، جعل من الكيان الصهيوني ((دولة مارقة)) لا تقيم وزناً للقانون الدولي أو للشرعية الدولية، وأصبحت بذلك دولة فوق القانون، لا تلتزم ولا توفي بأبسط الإتفاقات التي سبق وأن وقعتها مع الجانب الفلسطيني رغم الرعاية الدولية لتلك الإتفاقات، كل ذلك تحت دعاوى وذرائع الأمن لدولة إسرائيل، وتجري مجاملتها في ذلك من الدول التي تدعي رعاية عملية السلام..! أي سلام هذا الذي يقوم على أساس إحداث التغييرات في الواقع الجغرافي والديمغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وكبت الحريات، وفرض سياسات الحصار، والإغلاق وممارسة الاغتيالات دون خوف أو وجل، ودون رقيب أو حسيب على تصرفات يندى لها جبين الإنسانية. الشعب الفلسطيني الذي ينتظر منذ سبعة عقود من العذاب والمعاناة، نصرة المجتمع الدولي، وإخضاع إسرائيل للقانون الدولي والشرعية الدولية، وإنصافه وتحقيق حقوقه المشروعة التي كفلتها له الشرعية الدولية وقراراتها، قد سئم هذا الانتظار، وملَّ المسكنات التي تقدم له من الأشقاء والأصدقاء، كما سئم وملَّ انقسام نخبه السياسية وصراعاتها السقيمة على سلطة أو نفوذ تحت هذا الاحتلال الغاشم وبعد كل الذي جرى ويجري للشعب الفلسطيني، أرضاً وإنساناً ومقدسات، وهنا لابد من طرح سؤال كبير، أما آن للشعب الفلسطيني أن ينتفض على نخبه السياسية ليفرض عليها الوحدة والانسجام وإنهاء الانقسام والشرذمة، التي شجعت الاحتلال على مواصلة سياساته، كما ألقت عن كاهل الأصدقاء اللوم والعتب، ودفعت القوى الدولية للتراخي في مساعيها في الضغط على سلطات الاحتلال للتوقف عن سياساتها الفاشية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني، والمدمرة لكل جهود السلام. لقد أكد الشعب الفلسطيني رغبته في السلام العادل الذي يحترم الشرعية الدولية ويحترم حقوقه المشروعة، وكافة القوى الإقليمية والدولية أدركت ذلك، لكن الكيان الصهيوني لا زال لا يقيم لذلك وزناً أو اعتباراً، ويستمر بسياسته التوسعية والفاشية للقضاء على تطلعات الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، طالما موازين القوى على الأرض مختلة لصالحه، وطالما احتلاله غير مكلف، واستيطانه لا يجد المواجهة والمقاومة الكافية لردعه. قبل أن يلوم الفلسطينيون المجتمع الدولي والأشقاء عليهم أن يتوقفوا مع أنفسهم ويلوموا أنفسهم على استمرار حالة التفسخ والتشرذم والمسخرة التي بات عليها الوضع الفلسطيني، لأن سياسات الاحتلال ستتواصل كما هي ومواقفه من المفاوضات ستدمر كل أمل بالتوصل إلى اتفاق ينهي الاحتلال، ويشرع لقيام دولة فلسطين المستقلة، مالم تحدث نقلة نوعية في الوضع الفلسطيني تؤدي إلى توحيد نخبه ومنظماته، وتشرع لمقاومة الاحتلال وتجعله مكلفاً، وتجعل الاستيطان مستحيلاً.. بغير ذلك لا يمكن أن تتحقق الآمال المعقودة على مفاوضات السلام. فماذا ينتظر الفلسطينيون، حتى يحدثوا هذا التغيير الواجب والذي سيؤدي إلى استعادة الحقوق المغتصبة، وإرضاخ حكومة الكيان الصهيوني لاستحقاق السلام. لا جديد في الأفق .. لذا التشرنق في الثوابت واجب.. وترتيب البيت الداخلي وتحقيق الوحدة شرط لانتزاع الحقوق.. *عضو المجلس الوطني الفلسطيني