في صغري كنت أنظر للمجتمع الإسلامي على أنه مجتمع ملائكي تسوده المحبة والصدق والأمانة، حتى بدأت أكبر على أن الكراهية تتقاذفه، والكذب يمزقه، و الغش ينخره ! لم تكن المثاليات التي نشأنا عليها في المدارس للمجتمع المسلم ماثلة في واقعنا الذي نعيشه، فلم يكن لصغير مثلي حينها إلا أن يشعر بالصدمة والحيرة بين خيال يقرأ عنه وواقع ينشأ عليه ! زاد الطين بلة أن رصد تعاملات الحياة وأحاديث المجالس والصحف لم تخل يوما من أخبار المتلبسين بلباس الدين من المخادعين الذين غرتهم الدنيا حتى أنستهم الآخرة فسبحوا في بحر ملذاتها ينهلون من الأموال بالباطل و ينفقونها في معصية الخالق ! لكن لا شيء أثر بي مثل انقلاب المجاهدين الأفغان على بعضهم كالوحوش البرية ينهشون بعضهم بعضا كالضباع الشرسة، فقد كانت تلك اللحظة الحاسمة التي انتشلتني من تجاذبات حيرتي، وجعلتني على يقين من أن حلم المجتمع الإسلامي المثالي ليس إلا سرابا يعريه تاريخ حافل بالفتن والصراعات الدنيوية التي تلبست لباس الدين ! اليوم في العراق وسورية تراق الدماء المعصومة كما أريقت في أفغانستان باسم الدين، ويضغط على الزناد رجال طالت لحاهم حتى لامست صدورهم ولكن ليس لتخضبها المياه طلبا للصلاة، وإنما لتخضبها الدماء طلبا للسلطة ! كانت حيرتي عظيمة في صغري، فكيف بحيرة صغاري اليوم، وقد أصبحت الفتنة قطرة في بحر دماء القتل !