لندن: محمد رُضا هناك مشكلة مزدوجة تتعلـق بفيلم جديد اسمه «موبيوس». واحدة داخل الفيلم تنتمي إلى ما يقع على الشاشة، والأخرى خارجه تتعلـق بكيفية استقبال المشكلة الأولى. «موبيوس» هو فيلم كوري جنوبي من المخرج كيم كي - داك من تلك المجموعة المحظوظة التي تم قبولها في مسابقة الدورة السبعين من شيخ المهرجانات العالمية فينيسيا الذي سينطلق في الثامن والعشرين من أغسطس (آب)، ويستمر حتى السابع من الشهر التالي. المشكلة التي في هذا الفيلم هي أن بطله قرر بتر رجولته بالكامل بسبب مغامراته الجنسية التي أدت به إلى المتاعب التي يمر بها مع عائلته ومحيطه. المشكلة الثانية هي أن الرقابة في كوريا الجنوبية وجدت أن هذا الموضوع أعقد من أن تتركه يمر هكذا بلا تدخل منها، فمنعته على أساس أن مشاهده تبلغ حدا أقصى من الجنس (داخل العائلة الواحدة) والعنف. استراتيجية المخرج كي - داك الآن هي رفع ما يراه ظلما فادحا بحقـه كفنان ودفع المؤسسات الإعلامية في سيول وخارجها لمساعدته في دفع الرقابة الممثلة في «مجلس تقييم الميديا الكوري» بالتخلـي عن تحفظها بشأن الفيلم والسماح بعرضه للراشدين. للغاية، جمع المخرج لفيفا من الإعلاميين الكوريين والمراسلين الأجانب بلغ عددهم 107 أفراد وعرض الفيلم عليهم. 93 من هؤلاء وقـعوا على عريضة تطالب برفع الحجز مع معارضة أربعة عشر فردا اعتبروا المخرج قد زادها كثيرا، علما بأن النسخة التي عرضها كانت «نسخة مخففة»؛ إذ تم حذف 32 مشهدا من الفيلم في محاولة منه لكسب رضا المجلس المذكور. كل هذا اللغط بدأ قبل شهرين بقرار المجلس ومن قبل أن تعلم إدارة مهرجان فينيسيا المخرج الكوري بأن فيلمه السادس تم قبوله بين عروض الدورة الجديدة. لمن يعتقد أن اسم كيم كي - داك ليس غريبا على مسمعه، الجواب نعم: هو المخرج ذاته الذي غادر المهرجان الإيطالي في العام الماضي حاملا ذهبية المهرجان عن فيلمه «باييتا» الذي لم يخل من الجنس والعنف أيضا. «مابيوس» هذه المرة سيكتفي بالحضور في عرض خاص خارج المسابقة، ما يؤكد أنه فيلم مثير للمتاعب لا تريد إدارة أعرق مهرجانات العالم أن توصم به إذا ما قبلته كواحد من أفلام المسابقة. يذكر أن فيلم كيم كي - داك السابق «باييتا» لم يكن ليستخرج الجائزة الذهبية من فم أسد فينيسيا إلا بعدما اضطرت لجنة التحكيم إلى سحب قرارها الأول بمنح الجائزة ذاتها للفيلم الأميركي «السيد» The Master عندما عارضت لوائح الإدارة منح الفيلم جائزتين معا، فحل «باييتا» محل «السيد» الذي اكتفى بجائزة واحدة ذهبت لمخرجه بول توماس أندرسن. ملامح سوداوية هذا العام سيفتتح المهرجان أبوابه بفيلم للمكسيكي ألفونسو كوارون، ولو أن الفيلم هوليوودي صميم. إنه «جاذبية» (بمعنى Gravity وليس Attraction) مصنوع بالأبعاد الثلاثة، ويقود بطولته كل من جورج كلوني وساندرا بولوك. تقع معظم أحداثه في الفضاء بعدما تعطلت المركبة التي تقلهما في رحلة علمية وتم قذفهما منها ليسبحا في ذلك الفضاء بعيدا عن جاذبية أي كوكب، بما في ذلك كوكب الأرض نفسه. حين لقاء ساندرا بولوك بمناسبة فيلمها المعروض حاليا «الحرارة»، الذي تم نشره هنا بتاريخ السادس عشر من هذا الشهر، قالت إنها سعت طويلا للعمل مع مخرج بمستوى كوارون: «دائما ما كنت أرغب في العمل مع كوارون. الحقيقة أنني كنت مستعدة لقبول أي دور في أي فيلم يتقدم به إلي. كوارون هو مخرج يختلف عن أي من الذين عملت تحت إدارتهم من قبل، ولهذا وجدتها فرصة مهمـة لي أن أكون في فيلم موقع باسمه». مدير المهرجان المسؤول ألبرتو باربيرا يتحدث بدوره إلينا، ولو للحظات، عن دورة «عملاقة»: «بلا ريب هذه أهم دورات المهرجان منذ سنوات بعيدة. ليس فقط لبلوغه سبعين سنة، بل في الأساس لوجود عدد كبير من الأعمال التي ستثير اهتمام الموجودين. أعتقد أن الإعلاميين سوف يعودون إلى تشكيلة هذا العام أكثر من مرة على أساس ما تمثـله من قوة ومستوى». وهو يؤكد ما صرح به في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام في روما حين أعلن أن الأفلام المشتركة هذا العام «ذات ملامح سوداوية». يقول: «أعتقد أن واحدا من أهم ملامح الأفلام التي سيعرضها المهرجان هو قلـة الفرص والتطلـعات. هناك إدراك بين المخرجين أن عالمنا يعاني أزمة بالغة الصعوبة ومأسوية». وينهي: «لا نستطيع أن نشكو إذا ما قام مخرجو السينما حول العالم بعرض صورهم حول ما يمر به هذا العالم من أزمات». مراوغة قائمة المسابقة تفيد بأن شيئا من هذا القبيل وارد بالتأكيد وذلك بالنظر إلى أسماء المشتركين فيها كما إلى المواضيع التي يطرحونها. في المقدمة هناك فيلم المخرج الجزائري مرزاق علواش الجديد «السطوح» الذي يأتي في أعقاب عودة حميدة للمخرج المعروف إلى الناصية العالمية أعقبت فترة من الأعمال الأضعف في منتصف العقد الماضي من هذا القرن. بدءا من 2009 قرر المخرج العودة إلى طرح المواضيع السياسية والاجتماعية الساخنة فقدم على شاشة هذا المهرجان «حراقون» عن المهاجرين الجزائريين والأفارقة غير الشرعيين وما يحملونه من أحلام تتحطم في عرض البحر قبل بلوغ الشاطئ الآخر. «عادي» (2011) كان عن واقع الفنان في الوضع السياسي الحاضر منذ اندلاع ما عـرف بـثورات الربيع، أما «التوبة» (2012) فحمل فيه على الوضع الجزائري تحديدا متناولا قصـة متطرف إسلامي خرج عن نظام الجماعة التي انتمى إليها وها هي في أعقابه. هذا الفيلم هو الفيلم العربي الوحيد في المسابقة (أو بين العروض الخاصـة خارج المسابقة). في مواجهته، ولو ظاهريا، فيلم إسرائيلي - فرنسي مشترك للمخرج ذي الرنـة أموس غيتاي هو «أنا عربية». أفلام غيتاي السابقة كانت سياسية التعامل مع الوضعين الفلسطيني والإسرائيلي بقدر ما كانت مراوغة. تعبـر عن وجهة نظر يسارية بقدر ما توسع من هامش نظرتها بحيث لا تعد تعني الكثير في نهاية المطاف. هذان الفيلمان ينضمـان إلى المجموعة الغالبة من الأعمال التي تفصح عن تداولها حياة الإنسان وسط الحروب والمآزق الاجتماعية والنفسية والعاطفية. بمقارنة برنامج العروض الرسمية بذاك الذي شكـل عاملا ملحوظا في مهرجان «كان» السينمائي الماضي، نجد أن المهرجان الإيطالي قرر الابتعاد هذا العام عن الأفلام الكبيرة وتلك المنتجة من قبل المؤسسات العالمية لصالح أفلام المخرجين المستقلين المنتمين إلى ما يسمـى سينما «المؤلف». باقي الأعمال المعروضة تحتوي على فيلم جديد من مخرج أفلام الأنيماشن الياباني هاياو ميازاكي بعنوان «ارتفاع الرياح» الذي يمكن بسهولة القول بأنه مذهل التنفيذ منتقلا ما بين قصـة حب وخلفية كوارثية منفذة بتفاصيل جميلة التلوين ومعنى بتفاصيلها الجامعة. البريطاني ستيفن فريرز يعرض في «فيلومينا» ترجمته لرواية «الطفل الضائع لفيلومينا لي» الذي وضعه الصحافي مارتن سكسميث ويدور حول امرأة آيرلندية تمضي خمسين سنة من عمرها باحثة عن طفلها الذي انتزع منها بعد ولادته. هيلين ميرين في البطولة ووجودها قد يشكـل خطرا على الآمال بالخروج من فينيسيا بجائزة التمثيل النسائي. وثمـة عودة للسينما البريطانية بعد انحسار دام ثلاث سنوات إذ تشترك في المسابقة بفيلمين آخرين هما فيلم لتيري جيليام عنوانه «نظرية الصفر» حول باحث يريد سبر غور وجود الإنسان على سطح الأرض ما يتعارض وموقف ما يرمز إليه الفيلم باسم «الإدارة» فترسل له امرأة لعوب لشغله عن بحثه. الفيلم من بطولة مات دايمون وكريستوف وولتز وتيلدا سوينتون كما ديفيد ثيوليس. الفيلم الآخر هو «تحت الجلد» مع سكارلت جوهانسن في البطولة في فيلم يحمل سمات الخيال العلمي لكنه يبحث عما آلت إليه الحياة على الأرض من وجهة نظر مخلوق فضائي يجوب أنحاء أسكوتلاندا. من القلب مجموعة كبيرة من الأفلام الأميركية تشترك داخل وخارج المسابقة. في المباراة صوب الذهبية، نجد فيلم الممثل جيمس فرانكو الجديد «طفل خاص» والطفل هنا رجل راشد (فرانكو نفسه) يقرر العزلة عن المدنية والمكوث في غار في بعض جبال تنيسي. سيؤم الممثل المهرجان لجانب زميله تيم بلاك نيلسون الذي يؤدي دور الشريف وذلك عن رواية كورماك مكارثي الذي كان كتب «لا بلد للمسنين» No Country for Old Men الذي أخرجه الأخوان كوون وعرضه مهرجان «كان» سنة 2007 و«الطريق» للمخرج (الأسترالي الأصل) جون هيلكوت الذي تسابق في دورة العام 2009 من مهرجان «فينيسيا». فيلم أميركي آخر في الجوار هو «المعروف المجهول» The Unknown Known الذي هو واحد من تلك الأفلام التي قصدها مدير المهرجان في حديثه. المخرج التسجيلي إيرول موريس يقدم فيلما ينتقل بين حواره الطويل مع السيناتور ووزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد وبين المشاهد الوثائقية لما مر من أحداث بسبب رامسفيلد نفسه. هذه العينات من برنامج حافل تزيد أفلامه على مائة وخمسين عملا موزعة بين أقسام متعددة (بينها سبعون فيلما قصيرا) تشي بدورة قد تكون استثنائية خصوصا إذا ما تمت إضافة أعمال أخرى لأسماء معروفة أو واعدة مثل الفرنسي فيليب غارل الذي يوفر نظرة جديدة على «الغيرة»، والإيطالي جيانفرانكو روزي (بفيلم يحمل عنوان Sacro GRA) والألماني إدغار رايتز «يوميات رؤية» كما الأميركي بول شرادر «الوديان». وفي القلب من بين ما هو معروض فيلم جديد للمخرج المعمـر أندريه فايدا، وهو من مخضرمي السينما البولندية الذي يعود للمهرجان بفيلم يكمل فيه ما بدأه في السبعينات عبر «رجل من رخام» (1977) و«رجل من حديد» (1981). عنوان الفيلم الجديد «رجل من أمل».