×
محافظة الرياض

رئيس جمهورية جنوب أفريقيا وسمو ولي ولي العهد يفتتحان مصنع القذائف

صورة الخبر

عندما سئل الديكتاتور الإسباني الجنرال فرانسيسكو فرانكو ذات يوم عن ماهية الديكتاتورية، أجاب: أن تجعل المثقفين والمفكرين يصمتون. ينطوي البحث العلمي في بعده الاجتماعي أو الطبيعي، على أهمية قصوى في عصرنا الحالي، ولذلك يشهد استثماراً متزايداً من لدن الدول المتقدمة، وتخصص له إمكانات مالية وتقنية وبشرية هائلة، علاوة على التشريعات التي تكفل حريته، باعتباره خياراً استراتيجياً لتجاوز مختلف الإكراهات، ولمواجهة عدد من التحديات المجتمعية الكبرى في بعديها المحلي والإنساني. شكلت مختلف الجامعات في مناطق مختلفة من العالم مصدراً لكثير من العطاءات الفكرية والفلسفية التي كان لها انعكاس كبير على تطور الإنسانية ونهضتها وتنميتها وعلى مسار حركات التحرر العالمية. يحيل مفهوم الحرية الفكرية إلى الحق المخول للفرد والمجتمع في إنتاج المعارف والعلوم والثقافة دون تضييقات وحواجز مجتمعية أو قانونية أو إدارية أو أمنية. كما أنها تتصل بمجموعة من المفاهيم الأخرى كالحق في التعليم والولوج إلى المعلومات وحرية الصحافة والحرية الأكاديمية وممارسة التظاهر السلمي، كما أن لها علاقة وطيدة بالحق في التعبير وإبداء آراء معارضة ونشر الآراء عبر مختلف وسائل الاتصال. فهي شرط أساسي لتطوير أداء الجامعة ودعم الإبداع، وهي أيضاً من الحقوق الأساسية التي لا تستقيم الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان إلا بوجودها. برزت الحرية الفكرية كرد فعل على الهيمنة التي كانت تفرضها الكنيسة خلال القرون الوسطى على الحياة العامة وعلى الحجر الذي كانت تمارسه ضد الفن والعلم والاجتهاد في مختلف المجالات.. وهي تستمد مقوماتها ومشروعيتها من الدساتير والتشريعات الداخلية، ومن مختلف المواثيق والقوانين الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان في علاقتها بالحق في التعليم والحق في حرية الفكر والرأي والتعبير. ونجد في هذا السياق مجموعة من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي أكدت ضرورة وأهمية احترام هذا الحق؛ كسبيل لإنتاج المعرفة وترسيخها في المجتمع من قبيل المادة التاسعة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948م التي تؤكد أنه لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وكذلك المادة 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تؤكد أن الدول الأطراف تتعهد في هذا العهد باحترام الحرية التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي، علاوة على العديد من المواثيق والإعلانات الدولية كما هو الشأن بالنسبة لإعلان كمبالا بأوغندا لسنة 1990. إن ممارسة هذا الحق تخضع لمجموعة من الضوابط التي لا تعتبر في مضمونها تقييداً، من حيث ضرورة اعتماد الموضوعية والصدق وتجاوز كل مظاهر التعتيم والتضليل والتزييف، واحترام حريات وآراء الآخرين، واحترام النظام العام بكل عناصره وعدم التذرع باستخدام هذا الحق في نشر الكراهية والتحريض على العنف والتطرف والعنصرية والطائفية، وخرق قيم المجتمعات. لم تقتصر تبعات الاستبداد في المنطقة على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. بل طالت أيضا المجال الفكري والعلمي، من منطلق الرغبة في المحافظة على الأوضاع كما هي، وصد الأصوات المخالفة، الأمر الذي خلف كلفة وخسائر طالت الدولة والمجتمع معا، نتيجة تورط النخب الحاكمة في كثير من القرارات الانفرادية والعشوائية التي لم تكن مؤطرة علمياً. ووعياً منها بدور الفكر والتعليم في تعبئة وتنوير المجتمع وترسيخ القيم وتجاوز المفاهيم الجامدة، مارست الكثير من الأنظمة في عدد من الأقطار العربية سبلاً مختلفة للتضييق على عمل الباحثي، تراوحت بين الزجر تارة والإغراء تارة أخرى. لا ينتعش البحث العلمي البنّاء والإبداع الخلاق إلا في مناخ تطبعه الحرية والديمقراطية، فقد أثرت أجواء الاستبداد في المنطقة في أداء منظومتي التعليم والبحث العلمي، ذلك أن المركزية المفرطة في تدبير الشؤون العامة، انعكست بشكل كبير على أدائهما داخل المجتمع وهمشت إسهاماتهما المفترضة في تنوير المجتمع وتحقيق التنمية، عبر سياسات وتشريعات تضيّق على منظومة التعليم بشكل عام وتكرس علاقة الشكّ والحذر بين صانع القرار والباحث. ومن منطلق أن مساهمة البحث العلمي في تطور المجتمعات وتحسين الإنتاج في شتى المجالات، لن تتأتى إلا من خلال وجود هامش مقبول من الحرية المحفزة على الإبداع والاجتهاد والممارسة الديمقراطية، فإن المناخ السياسي في الكثير الدول العربية أسهم بصورة واضحة في تدني مستوى البحث العلمي وتراجع صدقيته، بعدما حرصت كثير من الأنظمة في المنطقة على بقاء الأوضاع السياسية على حالها، ورفضت أي تغيير تسهم فيه النخب المثقفة والأكاديمية، الأمر الذي كانت له انعكاسات وخيمة على مستوى تضييق هامش الحرية الفكرية. أضحت الجامعات في كثير من هذه الدول آلية لتبرير وتكريس السياسات والخطابات الرسمية؛ بدل الانفتاح على قضايا المجتمع الحقيقية وعلى المتغيرات والتحديات التي يفرضها المحيط الدولي المتسارع، بعدما نجحت الكثير من الأنظمة إلى حد كبير في نقل مظاهر الاستبداد والانغلاق والجمود إلى مختلف المؤسسات ومنها الجامعات مما أثر في استقلاليتها ومصداقيتها. إن ربح رهان تنشئة اجتماعية وتكوين مواطن يمارس التفكير بحرية وينبذ العنف في تدبير الخلافات، قادر على طرح الأسئلة وتوجيه النقد البناء، يتوقف في جزء كبير منه على دعم المعرفة والتعليم، ذلك أن مهام الباحث هي رسالة نبيلة تسعى إلى بلورة حلول ناجعة لمعضلات ومشاكل اجتماعية مختلفة؛ أكثر منها ممارسة لوظيفة تقنية. يبقى البحث العلمي بحاجة إلى رصد إمكانات مادية تدعمه، علاوة على وجود تشريعات تضمن حقوق الباحثين وتحفظ كرامتهم، كما يظل بحاجة ماسة إلى ترسيخ ثقافة مجتمعية حاضنة تؤمن بالتغيير والتجديد والمعرفة. drisslagrini@yahoo.fr