×
محافظة المنطقة الشرقية

القبض على مواطن طعن سيدة وسلب حقيبتها في الدمام

صورة الخبر

جاء قرار الزعيم الروسي فلاديمير بوتين بسحب الجزء الرئيسي من قوات بلاده في سوريا مفاجئاً للمراقبين والسياسيين تماماً، كما كان قراره بالتدخل العسكري في سوريا استجابة لطلب دمشق مفاجئاً هو الآخر.. وتمثل الخطوتان تكريساً لما يمكن أن نسميه أسلوب بوتين في مباغتة الأصدقاء والخصوم على السواء بقرارات مفاجئة، لكنها ليست عشوائية على الإطلاق، بل تم التخطيط لها بتكتم ودقة شديدين على مستوى القيادة الروسية، وليس بقرارات منفردة من الرئيس وحده. وهو نفس الأسلوب الذي رأيناه في تعامل الكريملين مع الأزمة الروسية الجورجية (2008) ثم مع الأزمة الأوكرانية واستعادة روسيا للقرم (2012). أثارت خطوة بوتين المفاجئة جدلاً واسعاً حول أسبابها وخلفياتها وتوقيتها، وانعكاساتها المحتملة على الأوضاع في سوريا، ومسار المفاوضات الجارية في جنيف بين النظام السوري والمعارضة بمختلف فصائلها وتوجهاتها، وذهب البعض إلى حد اعتبار هذه الخطوة هزيمة لروسيا! وتخلياً من جانبها عن نظام بشار الأسد وفراراً لها من المستنقع السوري قبل أن تغرق فيه!! ورأينا أن هذا استنتاج متسرع، ونوع من التفكير بالتمني لا يتفق مع المسار الفعلي للأحداث، كما سوف نشرح لاحقاً.. كما ذهب بعض المحللين إلى اعتبار الخطوة الروسية مجرد انسحاب جزئي أو ذرا للرماد في العيون. ورأينا أن هذا رأي لا يأخذ الخطوة الروسية بالجدية الكافية، ولا يربطها بمجموعة من التطورات والمواقف الأخرى المتصلة بها، وخاصة على صعيد الجهود الروسية الأمريكية المشتركة على طريق السعي نحو تسوية سياسية للأزمة السورية. والواقع أن التحليل الموضوعي لهذه الخطوة يقتضي منا البدء برصد حدود الانسحاب الروسي المعلن عنه، تحت اسم سحب القسم الرئيسي من القوات الروسية في سوريا، وبصورة أساسية الطائرات القاذفة والمقاتلة من طراز سوخوي 24 و25 و34 و35 والتي تمثل عماد القوة الجوية الضاربة الروسية في سوريا، والتي كانت تقدم الدعم الجوي لقوات دمشق وحلفائها طوال الفترة الماضية، بدءاً من 30 سبتمبر/أيلول 2015، وكذلك سحب عدد من السفن الحربية الروسية المرابطة في قاعدة طرطوس أو في مياه البحر المتوسط قبالة الساحل السوري، وتمثل هذه القوات جزءاً معتبراً من القوات الروسية، لا يمكن التقليل من شأنه. إلا أن موسكو، من جانب آخر، أعلنت بوضوح تام أنها ستحتفظ بقاعدة حميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية، وبالقوات البرية والجوية والبحرية الضرورية لتأمين الوجود الروسي في هاتين القاعدتين، بما في ذلك صواريخ إس 400 المضادة للطائرات والصواريخ، وكذلك صواريخ بانتسير - 2500 المناظرة تقريباً للصواريخ إس 300.. وهذه الصواريخ الأكثر تقدما من نوعها في أدوات الدفاع الجوي في العالم ونعني إس 400 تحديداً قادرة تماماً على حماية الأجواء السورية من أي هجوم تقرر موسكو أو دمشق ضرورة التصدي له. كما أعلن بوتين خلال تكريمه لعدد من العسكريين الروس المشاركين في العمليات في سوريا أن موسكو يمكنها إعادة نشر قواتها الجوية بالذات في سوريا خلال ساعات إذا اقتضت الضرورة.. وأضاف جملة نعتبرها شديدة الأهمية وإن لم يلتفت إليها الإعلام بصورة كافية وهي أن روسيا ملتزمة بضمان التوازن الاستراتيجي في سوريا.. أي بتعبير آخر أنها لن تسمح بهزيمة عسكرية لجيش النظام السوري. وإذا أخذنا كل هذه المعطيات بعين الاعتبار يمكن لنا القول إن الانسحاب الروسي من سوريا يمكن القول إنه يشمل القسم الرئيسي من القوات الجوية الضاربة.. الهجومية.. لكنه يحتفظ بجزء لا بأس به منها لحماية القاعدتين الجوية والبحرية، وبجزء معتبر من القوات البحرية التي يمكن أن تقوم بدور هجومي شديد التأثير، فضلاً عن صواريخ إس 400 ذات الأهمية الاستراتيجية، فضلاً عن إمكانية شن الهجمات من السفن والغواصات بصواريخ كاليبر سواء من بحر قزوين أو من البحر المتوسط، كما حدث من قبل في سياق المعارك. لقد حققت موسكو عدداً من الأهداف الاستراتيجية بالغة الأهمية خلال الشهور الماضية.. في مقدمتها: أولاً: انتزعت زمام المبادرة الاستراتيجية في التعامل مع الأزمة السورية، وأكدت نفوذها ووجودها العسكري في سوريا وفي مياه شرق البحر المتوسط، وأصبحت شريكاً على قدم المساواة مع الولايات المتحدة في معالجة واحدة من أهم الأزمات الدولية المشتعلة في إقليم متاخم لحدودها. ثانياً: أنقذت نظام بشار الأسد الحليف لها، من خطر السقوط الذي كان يبدو وشيكاً، وبرهنت على فاعلية في مكافحة المنظمات الإرهابية، وخاصة داعش والنصرة، وشقيقاتها خلال فترة قصيرة، وحققت إنجازات على الأرض أكبر بكثير مما حققه التحالف الأمريكي الأمر الذي رفع مصداقيتها وهيبتها في المنطقة، وعلى المستوى الدولي كشريك فاعل يمكن الاعتماد عليه في مكافحة الخطر الداهم الذي تمثله هذه المنظمات على السلام والأمن في الشرق الأوسط والعالم. ثالثاً: تمكنت من خلال دعمها العسكري للنظام السوري من نقله من أوضاع الدفاع والحصار إلى وضع الهجوم، واستعادة السيطرة العسكرية على المنطقة الساحلية (الغربية) من البلاد، ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى، والتي تضم أكبر وأهم مدن البلاد، وفتح طرق الاتصال بين هذه المدن، والسيطرة الكاملة على بعضها، أو فك الحصار عن بعضها، وتخفيفه إلى حد بعيد عن العاصمة دمشق ووصلت قوات النظام وحلفائها إلى الحدود التركية تقريباً (ونستثني هنا مدينة إدلب وضواحيها) وقطع طرق إمداد داعش عبر الحدود التركية ووفقاً لمعطيات وزارة الدفاع الروسية، فإن قواتها الجوية بصورة رئيسية ساعدت جيش النظام وحلفاءه على السيطرة على مساحة قدرها عشرة آلاف كم (10 آلاف كم) في المنطقة الغربية تقع بها نحو (400 قرية وبلدة ومدينة) كما دمرت (2000 عربة صهريج) كانت داعش تستخدمها لتهريب النفط السوري إلى تركيا، وبيعه بأسعار بخسة، واستخدام العائدات في شراء السلاح والعتاد، كما دمرت أكثر من (200 منشأة بترولية) كانت تحت سيطرة داعش، مما قلص موارد الأخيرة المالية بشدة. رابعاً: استناداً إلى هذه المتغيرات الكبيرة في موازين القوى على الأرض انفتح المجال أمام إمكانية جدية للسعي نحو التسوية السياسية، وهو ما لم يكن متاحاً في ظل اختلال موازين القوى الكبير لصالح داعش والنصرة أساساً، وعدد من المنظمات الإرهابية الأقل وزناً، بينما كانت المعارضة السورية في الخارج في وضع عسكري لا يمكن مقارنته بقوة المنظمات الإرهابية، وكان النظام في وضع دفاع وتراجع مستمر. ولا شك في أن الدور القيادي الذي أصبحت روسيا تضطلع به في جهود التسوية قد أصبح يفرض عليها إرسال رسائل طمأنة وتهدئة للأطراف المحلية والإقليمية من أجل التقريب بين المواقف، وتسهيل التفاوض، خاصة أن هناك إدراكاً متزايداً على المستوى الدولي والأوروبي لضرورة التعاون بين الأطراف المعادية للإرهاب في تعزيز الجهود ضد داعش والنصرة وأخواتهما، خاصة بعد اندلاع موجة الهجرة السورية الواسعة إلى أوروبا، والعمليات الإرهابية في عدد من دولها، وأبرزها عملية باريس الهمجية. وإذا كانت ملامح تسوية سياسية بشروط مقبولة تلوح في الأفق.. وبتفاهم واضح مع الولايات المتحدة وهي حالة نادراً ما تتوافر.. وبهذا القدر من التوافق فإن موسكو ستضغط على دمشق حتى لا تضيع الفرصة السانحة.. مع التسليم طبعاً بأن طريق التسوية السياسية في سوريا لن يكون مفروشاً بالورود. *كاتب ومحلل سياسي خبير في الشؤون الروسية