د. حسن الترابي ذلك الشيخ السوداني الذي انتقل إلى رحاب ربه السبت الماضي، مات كما عاش مثيرا للجدل مُهَيِّجا للمشاعر في وطنه السودان وفي العالم العربي، واضعا الإسلام في لب الحياة السياسية وفارضا نفسه في مركز القلب من كليهما. هكذا استهلت نسرين مالك مقالها عن الزعيم الإسلامي الراحل في واحدة من أهم الإصدارات الأميركية التي تُعنى بشأن السياسة الخارجية، وتحظى باهتمام صناع القرار ودوائر رسم السياسة في الولايات المتحدة، ألا وهي مجلة "فورين بوليسي". وبرأي الكاتبة السودانية الشابة التي تقيم في لندن، فإن الترابي سعى خلف قضيته الكبرى في الحياة -وهي حاكمية الإسلام- بحماس، وقَّاد وإنْ بدرجة لافتة من البراغماتية (النفعية). وما من "متواطئ محتمل" إلا وعقد معه "المنظِّر الضليع" تحالفا إذا كان ذلك يعني ارتقاءه إلى مكانة سياسية مرموقة. وقالت إن فقه الترابي الديني تأرجح بين صيغة "عدائية" من الإسلام "المتشدد" الذي قاده إلى استضافة أسامة بن لادن في الخرطوم ودفع جيل من السودانيين للجهاد ضد المتمردين في الجنوب(دولة جنوب السودانحاليا) إلى مبدأ أكثر اعتدالا جعلته لاحقاً يعارض عقوبة الإعدام على الارتداد عن الإسلام. " طوال أربعة عقود قضاها في الحياة العامة، ترك الترابي بصمة عميقة في السياسة السودانية وعلى نطاق العالم العربي الأوسع. وخلال تسعينيات القرن الماضي، عكف على إعادة صياغة السودان من بلد متحرر من الأحقاد الوطنية أو المحلية إلى دولة إسلامية متزمتة " ومن قبيل المفارقات العظيمة أن الرجل الذي بذل أقصى ما وسعه لدفع قضية "الإسلام السياسي" إلى الأمام أكثر من أي سوداني آخر، انتهى به الأمر إلى أن يحيد عن هذه الفكرة لشيء ما في نفس يعقوب. بل إن بن لادن نفسه كان يرى الترابي "مخادعا" و"مكيافيليا" -أي انتهازيا- "لا يهمه أي السبل يسلك" كما قال لورانس رايت في كتابه "البروج المشيدة". لقد كان منتهى غاية الترابي السلطة، أكثر من التقوى والورع، وفي النهاية لم يحقق أيا منهما، وفق نسرين مالك. وطوال أربعة عقود قضاها في الحياة العامة، ترك الترابي "بصمة عميقة" في السياسة السودانية وعلى نطاق العالم العربي الأوسع. وخلال تسعينيات القرن الماضي، عكف الترابي على إعادة صياغة السودان من بلد متحرر من الأحقاد الوطنية أو المحلية إلى دولة إسلامية "متزمتة". وآثر هو العمل في الظل، لكن بصماته كانت واضحة للعيان في كل شيء من قواعد اللبس المحتشم للنساء إلى لقاءات المجموعات الإسلامية "الإرهابية"، بما فيها حركة حماس وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي كانت تُعقد على نحوٍ دوري في السودان مطلع تسعينيات القرن المنصرم. لقد كانت فترة مجد وألق الترابي أسوأ السنوات بالنسبة للسودان "فهو وزمرة من القادة الذين تحلقوا حول (الرئيس عمر) البشير اعتقلوا، وأعدموا وعذَّبوا المعارضين بوحشية غير مسبوقة. فقد كان الترابي حريصا لكي لا يكون المتورط الحقيقي، وبألا يلطخ يديه بالدماء أو ألا يُشاهد على مسرح الجريمة. بيد أن أعوانه السياسيين كانوا على استعداد أكثر منه لتصفية الأعداء باسم الإسلام". ومع ذلك، فإن الكاتبة تقر بأن الرجل كان "ذكيا وثرثارا وخطيبا مفوها". ويمكن وصفه بأنه "مفكر عظيم" إذا جردنا الكلمة من بُعدها الأخلاقي، كما تقول. ولعل ما جعله مخالفا لعلماء الدين المرموقين بالعالم العربي أنه كان صادقاً في استقلاله بآرائه، ولم يتودد لعطف جماهير المتدينين أو يعتنق الحكمة التقليدية أو يستجدي مشاعر الشعب السوداني. لقد كان في واقع الأمر "نخبويا متمكنا ومستنكفا عن الأفكار الديمقراطية حتى تلك التي يمكن أن تتوافق مع الإسلام" على حد تعبير كاتبة المقال.