إعداد: قرشي عبدون انطلق بسيارتك الخاصة واتبع مسار الرحلة تحت سماوات زامبيا الواسعة، متجولاً وسط الطرائد المختلفة والمتنوعة، متغنياً كالعاشق الولهان تحت نجيماتها ليلاً، تاركاً حبال زورق الكنو الرشيق خلفك عند المرسى على نحو فوضوي. القانونان (47 و54) من قوانين الطرق السريعة يخصان الحيوانات العابرة، ويقدمان نصائح معتبرة مثل لا تحمل الحيوانات أعلى المركبة، فلو كنت تحمل حيواناً في مركبتك، تأكد من أنه لن يسبب لك ولكافة الناس المتاعب، فكن حذراً عندما تكون بالقرب من الطرائد، فقد تسبب لك خسائر وتضر بسيارتك، هذا لو لم تعرض حياتك للخطر. يمكنك مشاهدة مقاطع الفيديو على موقع اليوتيوب للمزيد من المعلومات حول هذا الأمر لأنها مصدر مفيد للمعلومات، حيث يمكنك بعد مشاهدتها تحديد المخاطر على نحو دقيق مثل: كيف تلحق القرود الضرر بمساحات الزجاج الأمامي لسيارة اللاندروفر التي يقودها السياح، أو كيف يغرس وحيد القرن قرنه في سيارة رينو ميجان أو كيف تقلب الفيلة سيارة صغيرة إلى الجنب، فكلها تحتاج منك الاطلاع. إن حفظ حقوق الحيوانات والرفق بها هو أمر مهم هنا، كما ينصح به مارك غراجتي، ممثل رحلة السفاري والمسؤول عن خدمات سيارة 4X4، الذي قال لي وهو يناولني مفتاح سيارة اللاندكروزر الموجودة في موقف سيارات مطار لوساكا: هذه الحيوانات كانت هنا قبل مولدك، فتذكر بأن أي شي قد يحدث لك في هذه البرية! ولذاك يسافر أغلب رواد رحلات السفاري في معية المرشدين العارفين الذين لديهم القدرة في التعامل مع الظروف المختلفة والمواقف الصعبة، حيث يقدمون التضحيات في اللحظات الحرجة وأوقات الأزمات، ولكن في الحالات التي تكون فيها سائحاً بمفردك، تكون مرشداً وسائقاً وملاحاً وطباخاً ومسعفاً ومهندساً لنفسك. يقول البعض إن القيادة الذاتية تسبب متاعب في رحلات السفاري مثل: الشعور بالوحدة في البرية، والتخيل بأن المعينات التي تحملها سوف تتداعى إلى شطائر وتتهاوى وتنفد أو أنك سوف تصاب بالتسمم على نحو مروع ومذهل، هناك أماكن قليلة في زامبيا افضل بالنسبة للمغامرات في البرية: من بينها المستنقعات الغابية البعيدة والأراضي العشبية المتشعبة في إفريقيا الموجودة بالقرب من البحيرات الضخمة والطرق السريعة الضيقة التي تمتد على مد البصر. شارع الشرق العظيم انطلقنا في شارع الشرق العظيم السريع الذي يوصل إلى ريف الحياة البرية لمنتجع جنوب لنغوا الوطني، ولكن حدث زحام مركبات على نحو مفاجئ في لاسكا، وسط الطريق توجد حفر تهز المركبة التي بدورها تقذف بدواليبها الحصى فتهشم البيض المحمول على السيارة، إنه لمن الصعب تجنب هذا الحصى عندما تكون منشغلاً بمشاهد الحياة البرية الرائعة والمذهلة، في البدء تظهر التلال الغابية المنخفضة على كل الجنبات، وترتفع على مهل كلما دنت المركبة من الحدود الموزمبيقية قبل أن تتبدد داخل سهول خضراء لا نهائية عند حواف وادي لنغوا. كذلك تشاهد التلاميذ في طريق عودتهم من المدرسة وهم يمشون بخطوات متثاقلة على جنبات الطريق، متجهين إلى القرى التي تنطلق الأدخنة من أسقفها المبنية من القش، ويبيع الأهالي في سوق بلدة غيباتا الفول السوداني من خلال شباك المركبات، كما تم توقيف سيارتنا من قبل شرطي المرور عند نقطة عبور موجودة بالقرب من مكان يقيم ندوة عن وايني روني لاعب كرة القدم الإنجليزي، فقد كنا وحدنا في طريق الرحلة، حيث كانت الشاحنات الكبيرة القادمة من مالي، والكنغو وزمبابوي تصادفنا وتتخطى سيارتنا وتسير أمامنا (أنا غير متأكد - إذا كان الزمبابويون يقودون مركباتهم على اليسار أو على اليمين، فهم يقودون في منتصف الطريق بأبواق سياراتهم المزعجة. وعندما يرخي الليل سدوله على عجل، فإن الأنوار الأمامية للمركبة تشتعل لتضيء منازل القرى النائمة وتخرجها من الظلمات، ثم فجأة تنتفض بومة طائرة أمام أنوار المركبة. وعندما تصل الرحلة التي تستغرق عدة ساعات بوابات المنتجع الوطني تلتقط أرضه الطينية المنبسطة آخر أنفاسنا وتفسح لها المجال. جنوب لوانغوا كأي طريق سريع تتميز المسارات الغابية لمنتجع جنوب لوانغوا الوطني بحزمة قوانين خاصة بها، على سبيل المثال، يجب ألا تدوس على المكابح على نحو خفيف عند اقترابك من فهد هائج يربض فوق جذوع الأشجار، وأيضاً لو أردت الانعطاف من نقطة ثلاثية عند ضفة النهر، يجب أن تنظر في المرآة الخلفية لأية أفراس بحر قد تكون قادمة. وفوق كل ذلك، لا بد من الالتزام بقوانين الطريق، فبمجرد وصولنا إلى المنتجع توقفنا مضطرين، لأن فيلاً صغيراً هائجاً اعترض طريقنا، فبدا وكأنه ناقم على قوانين الطريق المعمول بها في لوانغوا، حيث كان يتلوى ويصيح على سيارات اللاندكروزر بغضب، متحدياً أن يثنيه أي شيء عما يفعله أو يحل محله حيوان آخر، وبعد ذلك مررنا بسلام من جانب مجموعة من الزرافات المشرئبة رؤوسها على نحو لطيف من بين صفوف الأشجار وذلك عن طريق حفظ مسافة معقولة بيننا وبينها. كثيراً ما يقال إن رحلات السفاري دراما طويلة - فعندما تقود السيارة بنفسك سوف تكتشف سريعاً أنك ممثل، لو لم تكن ممثلاً في الأصل، فعلى الأقل ليس هناك حديث يضاف في مرحلة المونتاج، وكذلك اذا قمت بالضغط على بوق السيارة عن طريق الخطأ تنطلق نحو 20 من أفراس النهر في شكل مجموعات باتجاه البحيرة. مخيم الغاب لم يكن أحد سوانا بجوار مخيم الغاب خاصتنا، فمع وصولنا كانت الشمس تحتضر منزلقة تحت أشجار الجميز والتمر هندي، وبعدئذ قمنا بفرد خيمتنا المثبتة على ظهر سيارة اللاندكروزر والمزودة بالفرش الجاهزة ووسادات الرأس الوثيرة، نافضين عن أكياسها الخارجية غبار 500 ميل، وسط هديل الحمائم ذات الأعناق الدائرية وأشجار الآبنوس وقطاف القطن البري المتدحرجة على الأرض مع نسائم الليل، وكذلك شوينا النقانق على جذوع الأشجار المحتطبة والجاهزة وتسامرنا حتى الفجر. ينتهي يوم رحلات السفاري بحصاد الحكايات عند نار المخيم وحفلات السمر (إحدى القواعد التي لا يبوحون بها هو أنه يتم إضافة الدسم لقصص المخاطر بنسبة 30% ليكون لها وقعاً خاصاً على النفوس - وعندما تطلق الجمرات فرقعاتها الأخيرة وتخمد، يكون وقت التسلق إلى الخيمة المنصوبة بالأعلى قد حان، وبعدئذ تكتسب الحكايات المضحكة التي قيلت بجانب لهب النار الدافئة صدىً شريراً وجديداً في بحر الظلام الدامس. متاهات الطرق الطرق في جنوب لوانغوا تتطلب الإلمام ببعض المهارات: حيث متاهات أوراق الشجر اللولبية المعلقة وبحيرات أوكسبو التي تنمو فيها زنابق الماء، هذا يعنى أنه حتى من يقودون سياراتهم الخاصة يتم إسداء النصح لهم لإيقافها بالقرب من البيوت الخشبية واتباع توجيهات المرشد السياحي، مثل، يونا باندا، وهو أحد السكان المحليين الذي يماثل بقدراته قدرات سوبرمان في رصد الحيوانات من مسافات بعيدة منذ أن كان رئيساً لنادي الحياة البرية في المدرسة الثانوية، فبرفقة يونا في السيارة مررنا سريعاً بأكثر من 40 من الأفيال العابرة لنهر لوانغوا، رافعة خراطيمها (ولا أقول سراويلها) مثل مناظير الأفق بينما كانت تخوض النهر. قال يونا عندما تحدق في أعين الفيلة، تشعر وكأنها تفكر مثلنا تماماً - فيونا يدرس سيكولوجية الفيلة من خلال أعينها، مضيفاً إنها تنتحب مثلنا، فقد شاهدت عدداً من الفيلة التي عادت إلى المكان الذي سقطت فيه رفيقاتها ميتة لالتقاط العظام بخراطيمها. وقام يونا أيضاً باستكشاف مجموعة مؤلفة من 14 أسداً بأشبالها كانت تحدق بحدة على ضفة النهر، فقد طورد واحد منها من قبل ثلاثة تماسيح أثناء عبوره النهر، ولا يبدو أن الأُسود قد انتبهت لمركبتنا، لأنها كانت مشدوهة بمحنة قائدها لدرجة أنها اقتربت جداً للحد الذي مسحت شباك المركبة بشواربها الغليظة.