×
محافظة الرياض

هيئة تطوير الرياض تقر ضوابط البناء على الشوارع 30-36 مترا

صورة الخبر

جاء فراراً من دمشق مع اندلاع الأحداث. استثمر ما يحمل من مال في تأجير محل صغير يبيع فيه الحلوى السورية اللذيذة. قليل الكلام، متجهم الوجه، مكفهر الملامح. يحمل هموم الشام وهموم «طريق النصر» في آن. ورغم أنه يضع يده على قلبه كلما مرت مسيرة لأنصار «الشرعية والشريعة» من أمامه، لكن قلقه من حدوث عنف قد يؤدي إلى تهشم واجهة المحل أو الإجهاز على صينية البقلاوة المعروضة في الخارج لا يمنع انبساط أساريره وانفراج همومه ولو موقتاً. يقول في لحظة مجاهرة نادرة: «ما شاء الله». ثم يعود إلى همه المزمن مذكراً نفسه: «ما إلنا في الطيب نصيب». تعاطف الرجل المكتوم مع جهود «أنصار الشرعية والشريعة» وحزنه الموؤود على عزل الدكتور محمد مرسي ليس إلا نقطة في بحر «رابعة العدوية». بحر رابعة مختلف الألوان متراوح الأطياف. محبو مرسي المتيمين بالشرعية، وعاشقوه المغرومون بالشريعة، وأتباعه المصدقون أن أبرز إنجازاته هو أنه أول من أدخل سجادة الصلاة إلى القصر الجمهوري، ومريدوه المتشدقون بأنه حافظ لكتاب الله، والقادمون من القرى والنجوع تنفيذاً لأوامر مشايخ الزوايا وقادة الجمعيات التي تقدم لهم المساعدات والمنح، والمهتمون بالحصول على وجبة إفطار مجانية بالإضافة إلى ثواب الصلاة جماعة في رحاب مربع «رابعة العدوية» مع قليل من الدعاء وكثير من الهتاف، أولئك ليسوا وحدهم ألوان وأطياف «رابعة». فلمربع «رابعة» أطياف أخرى محبة وعاشقة ومريدة ومتيمة بـ «الشرعية والشريعة»، حتى وإن كانت الشرعية ليست شرعيتها بحكم أنها لا تحمل جواز سفر مصرياً فلا يحق لها التصويت في انتخابات أو المشاركة في فعاليات، وحتى وإن كانت مسألة الشريعة وتطبيقها من عدمه لن تؤثر فيها مباشرة أو غير مباشرة، فمنها من يرزح تحت أنظمة حكم لا تتطرق إلى الشريعة من قريب أو بعيد، ومنها من يعيش في كنف أخرى تطبقها لكن من دون شرعية، ومنها من ينفس عن كبته الوطني وضغوطه السياسية ومشاكله الاجتماعية وأحلامه المكبوتة عبر تأييد «شرعية مرسي وشريعة مصر». «وأد الشريعة في مصر هو وأد لها في الأمة الإسلامية»، هكذا ركضت الرسالة النصية القصيرة أسفل الشاشة المحبة لمرسي. ارتأى القائمون عليها أن عليهم القيام بدور تأييدي (في عقيدتهم) تهييجي (في عقيدة المصريين) «للشرعية والشريعة» حتى وإن كان الأمر لا يعنيهم في شيء بحكم أنهم ليسوا مصريين. التشويش المستمر على إرسال قناة «الجزيرة» التي تبث وحدها من داخل مربع «الشرعية والشريعة» جعل البعض يلقبها بـ «الجزيرة مباشر رابعة» على سبيل المزيد من التخصص بدلاً من «الجزيرة مباشر إخوان» ومن قبلها «الجزيرة مباشر مصر». هذا التشويش دفع قنوات زميلة إلى التسابق من أجل اختزال مصر في «رابعة». يشير الخبر العاجل إلى أن «قوات الأمن تقتل المتظاهرين» فتندلف المذيعة بلكنتها غير المصرية عبر الاستوديو المنصوب خارج الحدود المصرية مهللة: «وها هو الجيش المصري يقتل المتظاهرين السلميين الذين لا يحملون من السلاح سوى عبارة: الله أكبر ولله الحمد! المتظاهرين الذين اختاروا الشرعية وناصروا الشريعة جزاؤهم القتل». المذيعة وأخبارها العاجلة وشريطها الخبري وتعليقاتها المضللة تعد طيفاً من أطياف «رابعة» يعتبر نفسه راعياً لما يجري فيها، ومؤيداً لمعتصميها، وناقلاً للحقيقة من وجهة نظر الجماعة وحلفائها ومحاولاً تصديرها للعالم العربي باعتبارها الحقيقة الوحيدة. حقائق أخرى تجري رحاها في جوانب «رابعة». اللافتات الإنكليزية المتناثرة في ربوعها والمحمولة بأيادي سكان القرى والنجوع الذين يفك الكثيرون منهم الخط العربي بشق الأنفس طيف آخر يؤتي ثماره، فها هو «مستر أوباما» يحمل حنيناً ما غير مألوف تجاه «رابعة» جعل معتصميها يتحدثون عنه بلطف عكس المتوقع عادة من أنصار التيارات الإسلامية. وها هي كاثرين آشتون يتم تداول أخبارها بكثير من الإعجاب المشوب بالتفاؤل رغم إنها امرأة وسفيرة لدول غربية مصنفة عادة تحت بند الكفر والفسوق وتنعت غالباً بأنها دول تتدخل في شؤون الأمة الإسلامية من دون وجه حق. وها هو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وقد رفعت صوره رفع الأبطال في ربوع الميدان بعدما كان بالأمس القريب محل انتقادات لتجرؤه على دعوة مصر إلى وضع دستورها استناداً إلى مبادئ العلمانية. وبين الهوى التركي المكلل بعبق أميركي والمطعم بالحلوى السورية اللذيذة والتغطيات الفلسطينية «الحمساوية» التلفزيونية، يظهر طيف آخر من اليمن السعيد. إنه طيف محلى برائحة جائزة نوبل الزكية، إذ تحولت الناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان صوب «رابعة» عبر تغريدة أعلنت فيها: «في طريقي إلى رابعة العدوية، لا يسعني إلا أن أكون مع الأحرار». «أحرار رابعة وحرائرها» يحظون بدعم أطياف عدة تشد من أزرهم وتدعم نضالهم من أجل «الشرعية والشريعة»، لكنها أطياف عابرة للحدود منها ما يحمل راية «دعم الأمة المصرية» ومنها ما يرتدي رداء «تنظيم الإخوان الدولي»، ومنها ما يعمل في اتجاهين الأول مدغدغاً مشاعر العرب المتعاطفين مع الجماعة والثاني منتفعاً من تقديم الهدايا والقرابين لدول وأنظمة غربية ترى في مرسي الشرعية وفي تحويل مصر إلى ثيوقراطية دينية شريعة للشرق الأوسط الجديد. الطريف أن مواقع التواصل الاجتماعي الذي طبل لها الجميع وزمروا بالأمس القريب باعتبارها وسيلة لإحياء القومية وإنعاش الود وتوطيد المحبة عبر الحدود تحولت اليوم إلى ساحات للتنابز والتناحر والتدخل في شؤون الغير بحجج الشرعية وأعذار الشريعة. الأخت الصديقة من الدولة الشقيقة كتبت على «فايسبوك»: «ما إن جاءهم رئيس حافظ للقرآن مقيم للصلاة حتى تبطروا عليه وأطاحوه. هم لا يستحقونه»، فجاء الرد من داخل الحدود المصرية: «من أنت لتحكمين على شعب مصر العظيم. لو عاجبك مرسي خذيه عندك». وتأججت التراشقات العنكبوتية والنعرات الوطنية إلى أن اتهمت الأولى الثانية بالكفر والإلحاد، وردت الثانية على الأولى بأنها «خلايا إخوانية نائمة في بلادها». ولا يخلو الأمر من دعابة، فها هي شابة مصرية تستهل يومها على «فايسبوك» بالتحية التالية: «أحبائي أحبكم أكثر من حب أردوغان وتوكل كرمان للإخوان».