صحيح أنها الضاحية الجنوبية وأن الشارع الذي تحول ناسه إلى إشلاء ومبانيه ومحلاته التجارية الى انقاض في محلة الرويس هو في قلب هذه الضاحية المحسوبة «معقلاً» لـ «حزب الله»، لكن من سقطوا ليل اول من امس في الانفجار الرهيب الذي هز المنطقة ومعه كل لبنان، لم يكونوا من «حزب الله» ولا من حلفائه، بل ان افظع ما ارتكبه من نفذ الانفجار انه أباد عائلة سورية بكاملها، أب وأم وأطفال بينهم رضع. وقتل شاباً اتى لتوه من كندا وكان في محل للحلاقة يستعد لليلة عرسه. وهناك عشرات المآسي التي تروى في الشارع على أفواه جرحى وناجين بـ «الصدفة» من اناس ينتمون الى كل الاديان والمذاهب لا من الطائفة الشيعية فقط. رائحة موت في شارع دكاش الذي يشبه تقاطع طرق، جنوباً باتجاه الرويس وشمالاً بئر العبد وشرقاً مجمع سيد الشهداء (الحي الابيض) وغرباً شارع عبد النور، رائحة هي مزيج من دخان حرائق التهمت البشر والحجر، ومن رائحة بارود تذكر سكان الشارع نفسه بالدمار الذي خلفه العدوان الاسرائيلي في العام 2006. ذلك ان البناية التي يطلق عليها ابناء المنطقة لقب «بناية الصاروخ» كانت الطائرات الاسرائيلية سوتها بالارض ولم تنته اعادة بنائها الا قبل سنتين لانه قيل في حينه ان صاروخاً لا يزال مغروساً في المكان واحتاجت ازالته الى اجراءات امنية محددة. هذه البناية كانت ضحية مرة ثانية في الذكرى السابعة لهذا العدوان. انه اليوم الثاني على الفاجعة «غير المحسوبة» بعدما اطمأن سكان الضاحية الى اجراءات امنية «وقائية» يقوم بها «حزب الله» منذ الانفجار - الخرق الاول الذي حصل قبل 40 يوماً على بعد مئات الامتار من الانفجار الثاني. كانت الناس أيدت الاجراءات الوقائية وتحولت بدورها الى مساهم فيها، لكن ما كان غير محسوب ان يأتي الموت في سيارة، تتجه كل التحليلات الامنية الى اعتبار سائقها انتحارياً. في اليوم الثاني استوعب سكان الشارع هول المصيبة التي حلت بهم. لم يناموا ليلتهم في المنازل المخلعة الابواب، بعضهم فعل بأن وضع كراسي خلف الابواب للشعور بالاطمئنان. لكنه كما تقول «ام علي» الجارة السنيّة لعشرات الساكنين، نزلت من منزلها لتفقدهم والاطمئنان الى حالهم، انه «شعور بالموت البطيء». عشرات الاسئلة تتزاحم على لسانها: «لماذا يفعلون بنا هكذا؟ اليس الموت ارحم من هذه الحال؟ يا حرام الشباب الذين استشهدوا ما ذنبهم؟». عناصر الانضباط في «حزب الله» طوقوا محيط الانفجار بطوقين الاول يسمح لسكان الابنية السليمة البعيدة نسبياً من موقع الانفجار بالدخول اليها والثاني يغربل المتقدمين الى موقع الانفجار باقتصاره على المعنيين الامنيين من دون السياسيين الذين توالى حضورهم الى المكان لتسجيل استنكارهم، باستثناء نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان الذي سُمح للسيارة التي تقله بالاقتراب من موقع الانفجار والعودة بعد دقائق منه. داخل الطوق الثاني عشرات العناصر من الجيش اللبناني وقوى الأمن و «حزب الله» وعناصر الدفاع المدني في «الهيئة الصحية الاسلامية» ونسوة بـ «التشادور» علقن على صدورهن بطاقات تحمل تعريف «لجنة العمل الاجتماعي» يدخلن البيوت المخلعة بلوائح يدون عليها ما يشبه الاحصاء، وينسقن مع رجال الحزب ويرفضن التحدث الى الاعلام، ورايتان رفعتا على شرفة احد طوابق المبنى المحروق لـ«حزب الله» وحركة «امل» ولاحقاً احضر شاب المزيد منها لتعلق الى جانب لافتات كتب عليها «لبيك يا نصر الله». و«صنع في اميركا». يشير احدهم الى عمود كهرباء يبعد عشرات الامتار من الطوق الحديد قائلاً: «الى جانبه حصل الانفجار، لم تكن السيارة المنفجرة مركونة كانت تسير على الطريق». النظرة الاولية الى المكان تشير الى ان من قام بفعلته تقصد ان يحصل الانفجار في الجزء من الشارع الذي ترتفع فيه المباني على الجانبين لإحداث اكبر قدر من الاذية في منطقة محصورة. في هذا الجزء تكثر المحلات التجارية. في الجهة المقابلة محلات لبيع الاحذية والالبسة وأبرزها «محفوظ» المشهور شعبياً والهواتف الخليوية وحلاقين وصيرفة ومحمصة ولوازم الخياطة ومحلات بيع الخضار والفاكهة من النخبة الجيدة واصحابها من الرعايا السوريين. والانفجار الذي ولّد حريقاً هائلاً اتى على عشرات السيارات المركونة على جانبي الطريق اصحابها اما من اصحاب المتاجر او موظفون فيها او زبائن. وحاصرت النيران الناس في اماكنهم. وقال علي زعيتر وهو من سكان الحي ان السيارات كانت تنفجر الواحدة تلو الاخرى وقوة الانفجار سدت ابواب المحلات فحوصر الناس داخلها وكان على الشباب الذين هرعوا الى المكان تكسير جدران خلفية لاخراج المحاصرين فيما صعد الناجون والجرحى من سكان الابنية الى الطوابق العليا خوفاً من النيران التي راحت تمتد في كل الاتجاهات وعمد الدفاع المدني ورجال الاطفاء الى انزالهم من الجهة الخلفية بواسطة سلالم مختصة، على ان شبان لجأوا الى طفاياتهم الصغيرة لاخماد الحريق قبل ان تصل سيارات الاطفاء التي تأخرت، كما شكا عدد من السكان. كثر من السكان الذين نجوا بالصدفة تحدثوا عن نيران «منعتنا من رؤية اي شيء، وعن ضوء باهر حصل قبل تصاعد الدخان الأسود ومن ثم سماع صوت الانفجار الهائل»، بعضهم قال انه ظن انها غارة اسرائيلية وبعض آخر قال انه انفجار سيارة مفخخة. اما ضحايا الانفجار فعشرات القتلى والجرحى. ويذكر الناس «أسماء الشهداء صاحب صالون باراديس» للحلاقة للرجال حسين بيضون والشاب حمد المقداد وصاحب محل جابر والصراف عصام نحلة وموظفة في محل للاحذية اسمها بتول وشاب يعمل في محل للهواتف وآخر يعمل في محل قاروط ومحمد صفا الشاب الذي يعمل في القسم الاداري في جريدة «النهار» وآخر من شباب الانضباط في «حزب الله» كان ينظم السير، والعديد من الجرحى وبينهم شاب مسيحي كان يمر في المنطقة التهمته النيران وحروقه من الدرجة الثالثة. عند ناحية الشارع قبل الطوق الثاني تجمع عشرات الصحافيين مع كاميراتهم ينتظرون سياسيين جاؤوا لتفقد المكان لتسجيل تصريحاتهم المستنكرة. اما تصريحات الناس فتختلف امام الكاميرا عنها في الكواليس، ولسان حال واحدة تجمعهم: «اذا ارادوا استهداف المسلحين ما دخلنا نحن المدنيين. ليتقاتلوا بعيداً عنا، لماذا علينا ان ندفع الثمن كل مرة». حصيلة انفجار الرويس 24 قتيلاً و289 جريحاً ودعوة اهالي المفقودين لاجراء فحص «دي ان اي» 60 كلغ «تي ان تي» و «لا شيء محسوماً بعد» بيروت - «الحياة» - ترأس النائب العام التمييزي بالإنابة في لبنان القاضي سمير حمود اجتماعاً في مكتبه حضره ضباط من الشرطة العسكرية ومديرية المخابرات في الجيش والأدلة الجنائية وخبراء متفجرات، وحضره مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي سامي صادر، اطلع خلاله القاضي حمود على سير التحقيقات الأولية في انفجار الرويس، وتبين بحسب ما وزعته «الوكالة الوطنية للاعلام» عن المجتمعين، ان زنة المتفجرة بين 55 و60 كيلوغراماً من مادة «تي ان تي». وأحدث الانفجار حفرة بطول 340 سنتم وعرض 240 سنتم. وبلغ عدد الشهداء 24 تم التعرف الى هويات عشرة منهم، وأخذت عينات من الباقين لفحص الحمض النووي. وبلغ عدد الجرحى 289 لم يبق منهم في المستشفيات سوى 38 شخصاً. ورجحت مصادر امنية لـ «الحياة» ان تكون السيارة المنفجرة من نوع «بي ام» 735 سوداء اللون موديل 2002، وتخضع أجزاء السيارات الى تدقيق ومراجعة لدى مصلحة تسجيل السيارات للتأكد من اصحاب السيارات وما اذا كانت مسروقة. وكانت الأجهزة الأمنية استبعدت ان يكون «فان هو المنفجر. وكان الجيش اللبناني دعا اهالي المفقودين الى الخضوع الى فحض الحمض النووي (دي ان أي) لتحديد هوية الضحايا وبعضهم أشلاء. وشيعت أمس بلدة كفررمان احد ضحايا التفجير وهو الناشط الرياضي عفيف سعيد ضاهر (50 سنة)، الذي أصيبت زوجته فاطمة نصار (45 سنة) بجروح خطيرة ادخلت بسببها العناية الفائفة. وفي بلدة ترشيش انتظر اهالي الشابة رانية محمد الحشيمي عودة ابنتهم التي صودف مرورها في موقع الانفجار اثناء مغادرتها مكان عملها عائدة الى منزلها في الرويس لكنها قضت احتراقاً في سيارتها من نوع «بيجو». ونعت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي المؤهل اول صالح عباس وابنتاه مريم (12 سنة) وملاك (10 سنوات) الذين لا يزالوا في عداد المفقودين الى جانب ابنه محمد وآخرين بينهم محمد جابر وجاد علي عابد جعفر ومحمد محيدلي. وأعلنت الهيئة العليا للاغاثة في بيان أنه بناء لتوجيهات رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، كلفت قيادة الجيش - لجان المسح وتخمين الاضرار بالكشف على الاضرار البشرية والمادية الناتجة من الانفجار الارهابي على ان ترفع النتيجة الى رئاسة مجلس الوزراء - الهيئة العليا للاغاثة فور الانتهاء منها». ونفى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل في حديث إلى إذاعة «صوت لبنان» صباح اليوم، «وجود أي موقوفين في جريمة التفجير حتى الآن، ونحتاج الى 48 ساعة لتنجلي الصورة». وأوضح ان «الأدلة الجنائية تعمل على جمع الأفلام التي صورتها الكاميرات الموجودة في المكان حيث تظهر حركة السيارة المفخخة لتبيان ما اذا كان انتحاري فجر نفسه أو لا»، مشيراً إلى أنه «بحسب موقع الانفجار، فإن الفرضية الأولى أن يكون السائق فجر نفسه فيما الفرضية الثانية تقول إنه قد يكون تم تفجير السيارة من بعد». وقال وزير العدل شكيب قرطباوي للاذاعة ان «التحقيقات جارية بسرية تامة ولا شيء واضحاً او ثابتاً حتى الآن»، مؤكداً: «التعامل مع الشريط المصور للجماعة التي تبنت التفجير (سرايا عائشة ام المؤمنين - المهمات الخارجية) بكل جدية والقضاء المكلف يحلل بهدوء وروية لكشف الخيط الذي سيوصلنا الى المجرم الذي يقف وراء هذا التفجير».