لست هنا بصدد الحديث عن أسماء الأماكن جنوب الجزيرة العربية، التي تنتهي بألف ونون مثل: “خولان، ونخلان، وعيبان، وهمدان، وغمدان، ونجران”، وغيرها من الأسماء، فهذا موضوع كبير، يحتاج إلى دراسة عميقة، وعلى الرغم من أن الأسماء لا تعلَّل، لكن ذلك لا يمنعنا مستقبلاً من البحث عن الأسباب وراء هذه التسميات. وأيضاً لست بصدد الحديث عن “جازان وجيزان”، فهذا موضوع تاريخي قديم سبق أن أشبعه المؤرخون والدارسون بحثاً، ودراسة، وتدقيقاً وتمحيصاً، حيث اختلفوا حول المسمى، واتفقوا على التسميات التاريخية القديمة للأماكن، التي حفظتها كتب التراث، ووثقتها المخطوطات، وخلصوا إلى تسمية المنطقة باسم الوادي “جازان”، الذي تتناثر على ضفتيه المدن، والقرى، والهجر، وتقع على امتداده “مدينة جيزان”، وهي العاصمة الإدارية لسلة خبز المملكة. مقالتي اليوم عن “صحة مدينة جيزان”، تلك المدينة الساحلية الحالمة على صدر البحر الأحمر بكل مقوماتها البيئية “البرية، والبحرية”، وبكل ما تحمله من ثراء تاريخي ومعرفي. هذه المدينة البكر، التي يدخلها يومياً أضعاف عدد سكانها للعمل، أو التنزه على شواطئها الجميلة، منذ أن احترق مستشفاها العام، وأهلها يعانون الأمرَّين في علاج حالاتهم المرضية الطارئة والمزمنة، وقد أعلنت وزارة الصحة مسؤوليتها عن الحادث، لكنها لم تتحمل مسؤولية علاج المرضى بصورة خاصة، فتركت الأمر للمستشفيات المتناثرة في محافظات المنطقة، التي لا تفي باحتياجات المواطنين فيها، بل تعيش أزمة ضعف في العناصر الطبية، فكيف إذا أضفنا إليها جرحى الحرب، فضلاً عن المسافات المتباعدة بين المحافظات؟! عندما كتبت مقالة بعنوان “منطقة بلا مستشفى” في هذه الصحيفة قبل ثلاثة أعوام، كنت أعني ذلك تماماً، فأبناء منطقة جازان تحوَّل حالاتهم المرضية إلى المستشفيات المتخصصة في المدن الكبرى ومنها “جدة، والرياض”، وفي بعض الأحيان يذهب معظمهم لعلاج حالاتهم المرضية على حسابهم الخاص، متحملين نفقات العلاج والسفر والإقامة، ولعل الخطوات الأولى بدأت تؤتي ثمارها، فمستشفيات المحافظات تؤدي دورها مع الرعاية الصحية الأولية، والمدينة الطبية الجامعية على وشك الانتهاء، وهناك مستشفى تخصصي لأمراض القلب والأورام، إلا أننا لم نهنأ بالعلاج فيه، فسرعان ما تم تحميله بالأقسام الإضافية الأخرى جراء حريق مستشفى جيزان العام، ولم يحسبوا حساب طاقته الاستيعابية، ولم توفر له العناصر الطبية اللازمة للأمراض الأخرى، ما ضاعف الضغوط عليه، وقد يصيبه الزحام بالضعف والترهل، ما قد يؤدي إلى الهروب إلى مستشفيات المناطق الأخرى بحثاً عن الراحة. معالي وزير الصحة زار منطقة جازان، ويعرف مساحتها الجغرافية الممتدة من البحر إلى الجبل، مروراً بالسواحل والجزر، ويعرف حجم عاصمتها الإدارية، وكثافتها السكانية، ويعرف كم هي في حاجة إلى مستشفى تخصصي، يُعالج فيه أهلها، فما المانع في أن تستأجر الصحة أحد المستشفيات الأهلية المتكاملة، على الأقل في الوقت الراهن، حتى يتم إعادة تهيئة مستشفاها الذي احترق، خصوصاً أن الوزارة تحمَّلت مسؤولية الحريق، فهم يحتاجون إلى الرعاية الطبية العاجلة والأولوية أكثر من أي وقت مضى؟!