تدل زيارة ملك البحرين الأخيرة إلى موسكو، إلى جانب الأنباء غير المؤكدة سعودياً عن زيارة ممكنة للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا الشهر المقبل، إلى أنّ الطرف الخليجي ما زال يتوقع من روسيا جهوداً نوعية من شأنها وقف الصراعات الدموية في المنطقة وتأمين السلم الإقليمي. وعلى رغم التقييم الخليجي بأن التدخل الروسي في سورية منذ أيلول (سبتمبر) الماضي قلّص هوامش الاعتدال والمعتدلين في سورية وضعضع الجهود الديبلوماسية للحل وضخ مزيداً من الدماء في مقولات الداعين للحسم العسكري للأزمة، وعلى رأس هؤلاء النظام السوري وإيران، فإن الخليج، مع إدراكه الأكيد بأن روسيا قوة عسكرية عظمى وقادرة، لم يتخذ حتى الآن قراراً بإفشال روسيا. هذه المسألة لا يبدو أنها تحظى من قبل موسكو بما تستحق من تقدير، إذْ نسمع حديثاً روسياً عن «الانعطافة الاستراتيجية» التي تمثلها الحرب على حلب في الخطط الروسية التي باتت لا تكترث، في سبيل محاصرة تركيا والقضاء على نفوذها في سورية، أن يتم ارتكاب جرائم عدة بحق المدنيين السوريين وانتهاج سياسة «الأرض المحروقة» وأسلوب التطهير. ولكي لا تضيع هذه النتيجة يُحذّر رئيس الوزراء الروسي، ديمتري مدفيديف، من أن «أحاديث قوى إقليمية عن استعداد لإرسال قوات برية إلى سورية، تُنذِر بنشـوب حـرب عالمية ثالثة ليست في مصلحة أحد». ولا تتوقف موسكو عن مسعاها بأن على هذه «القوى الإقليمية» التكيّف والاستسلام لـ «الاستراتيجية الروسية في سورية»، لأنه ليس أمام سورية، كما لمّح الوزير لافروف، سوى 3 سيناريوات: «حل وسط عبر التفاوض، أو انتصار الجيش العربي السوري، أو حرب واسعة بمشاركة أطراف إقليمية». وإذ تتحرك موسكو على أنّ الحلول الوسطى ما زالت غير محتملة، وأنّ حظوظ موعد الخامس والعشرين من هذا الشهر ستكون ضعيفة وربما منعدمة مثلما هي حظوظ سيناريو الحرب الشاملة، فإنّ هذا يعني، وفق منطق السيد لافروف، ضرورة التكيّف مع «الاستراتيجية الروسية في سورية»: أي القبول بانتصار الجيش العربي السوري ونظام بشار الأسد! هذا المنطق يُعيد إلى الواجهة الكلام عن روسيا وشريكتها إيران بصفتهما قوتين تقوم ركائز قوتهما على التضاد مع مفهوم «القوة الناعمة» والافتقار إليها، إذ تكاد الصورة الذهنية لروسيا تُختزل في «الكلاشنيكوف» و «السوخوي»، ولإيران في «الحرس الثوري» والمليشيات، بما هي قوة خشنة تجعلنا ننسى جمال «السجاد الإيراني» وفتنته ولا نتذكر سوى وخز إبره وأذاها! كان جديراً بالسيد لافروف أنْ يحدثنا عن سيناريو رابع يقابل فيه الأيدي الممدودة إلى بلاده، ويقابل فيه الامتناع الخليجي عن إفشال بلاده في سورية، في حال قُدّمت مضادات الطائرات للمعارضة السورية. كان الأولى السعي إلى التخفيف من صلف «السوخوي» باتجاه البدء في بناء قوة ناعمة تفتقرها روسيا، التي لم ينس رئيس وزرائها مدفيديف في كلمته في مؤتمر ميونخ التذكير بأن العالم يعيش «شكلاً جديداً من الحرب الباردة»! موسكو لم تُراعِ بما فيه الكفاية هواجس الأردن الأمنية في جنوب سورية حين غيّرت قواعد اللعبة وقدمت، مثلاً، بلدة الشيخ مسكين في درعا لقوات النظام. وموسكو لا تواتيها رغبة الإمارات والسعودية المشاركة بقوات برية لمحاربة «داعش» في سورية والعراق. وموسكو لا تقابل زيارات المنامة والرياض إليها بما تتطلبه من مرونة في سورية تستدعي عدم تمكين إيران وميليشياتها من سورية. هذا كله يكشف عن مضمون مفهوم الشراكة الروسية: مصالح الطرف الآخر في ذيل القائمة إلا إذا كان على شاكلة نظامي دمشق وطهران! * كاتب أردني