اعتاد الشعب المصرى منذ أربعينيات القرن الماضى على أن تتورط جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها فى قضايا تتعلق بالأمن القومى المصرى أو الإرهاب أو إنشاء تنظيمات سياسية سرية أو مليشيات عسكرية بالمخالفة للقانون، وبالنظر إلى لائحة الاتهامات هذه، نعرف أننا الآن أمام قضية من نوع خاص، فالقضية التى تكشف عنها ربما تكون هى القضية الأولى من نوعها والتى تلقى بشبهات الفساد المالى والإدارى على جماعة الإخوان المسلمين بعد أن وصلوا إلى الحكم، خاصة أن أدلتها «محكمة» والمعلومات التى وردت بشأنها «مؤكدة»، وذلك وفق ما أكدته مصادرنا القضائية والرقابية التى فضلت عدم الكشف عن هويتها. تفاصيل القضية بدأت فى الظهور عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسى بأيام، خاصة أن بعض الجهات الرقابية والقضائية كانت قد لاحظت أن هناك نموا غير طبيعى فى تعاملات بعض الأشخاص، كما لاحظت أن هناك إيداعات برقم حساب معين «لم يكن وقتها قد تم الكشف عن صاحب الحساب» أصبحت كبيرة بصورة غير عادية بما لا يتناسب مع نشاط هذا العميل، وبتدقيق البحث تم اكتشاف أن هناك إيداعات نقدية كبيرة تم تحويلها خلال فترات زمنية قصيرة إلى جهة أخرى، كما لوحظ أن هناك عدم ارتباط بشكل وثيق بين هذه التحويلات ونشاط العميل المالى، وتكررت هذه الإيداعات بغرض غير واضح، كما أن هذه الزيادات كانت بدون مبرر، ما كان يتبع هذه الإيداعات تحويل هذه الزيادات فى خلال فترة قصيرة إلى حسابات أخرى لا تربطها بالعميل صلة واضحة، وكل هذه القرائن التى تكاد تتطابق مع ما هو معروف عن جرائم غسيل الأموال أدت إلى الشك فى صاحب هذا الحساب، فتم الكشف عن سرية الحساب وفقا للقانون رقم 80 لسنة 2002 والصادر بشأن مكافحة جرائم غسيل الأموال، وهنا كانت المفاجأة. ووفقا لما أكدته بعض المصادر القضائية فقد كان اسم المشتبه به حتى الأيام الأولى لعزل مرسى غير معروف، ولذلك فقد شكل الكشف عن هذا الاسم مفاجأة كبيرة، فقد تبين أن صاحب الحساب هو السيد عمر محمد مرسى العياط، ابن رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسى العياط، وقد كان اسم هذا الشاب قد تردد فى الأوساط الصحفية المصرية قبل هذا التحويل المالى الضخم فى قضية إعلامية شهيرة تتعلق بوجود فساد فى قبول تعيين هذا الشاب الحاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة الزقازيق بتقدير عام جيد دفعة 2012، بإدارة البنك الدولى التابعة للشركة القابضة للمطارات والملاحة الجوية بوزارة الطيران المدنى وهى القضية التى شغلت الرأى العام وقتها بشكل كبير، وثارت بسبب هذه الواقعة معركة كلامية كبيرة بين نجل مرسى والإعلام المصرى، حيث اتهم «عمر مرسى» الإعلام بالتضليل، مؤكدا أنه كان يمر بالصدفة فى وزارة الطيران ليزور أحد أصدقائه ثم وجد الإعلان الداخلى فتقدم للعمل، ولم تكن هناك شبهة فساد، ثم اشتكى من الأوضاع الراهنة بمصر عبر صفحته على الفيس بوك قائلا، إنه مثله مثل أى شاب عاطل يريد الحصول على وظيفة، متسائلا: كيف أحصل على وظيفة فى مصر؟ وهل ذنبى أنى ابن الرئيس. تلك المعركة التى أثيرت قبل أن يتم تحويل هذا المبلغ الضخم بأشهر قليلة هى ما وضعت العديد من علامات الاستفهام عند المحققين، فإذا كان ابن مرسى مثله مثل أى شاب عادى يريد أن يعمل فى جهة حكومية بمبلغ 900 جنيه شهريا كما قال، فمن أين يحصل عمر محمد مرسى على مبلغ 10 ملايين دولار أمريكى ليقوم بتحويله إلى السعودية عبر أحد أكبر بنوكها؟ ومن أين سيتم تحويل هذا المبلغ الضخم، وفى أى نشاط سوف يتم استخدام هذه الأموال الكثيرة، ومما ضاعف من أهمية هذا الاكتشاف المهم هو أنه تم قبل اندلاع مظاهرات 30 يونيو بما يقرب من أسبوع، فكما أكدت المصادر القضائية أن ميعاد تحويل هذا المبلغ كان فى 22 يونيو 2013، وهو القرينة التى استعارت انتباه جهات التحقيق بشدة. بعد اكتشاف أمر هذا التحويل تم مخاطبة السلطات السعودية فى هذا الشأن، لتتخذ اللازم حول إحكام الرقابة على هذه الأموال خاصة وكما تؤكد مصادرنا القضائية فإن السلطات السعودية قد أبدت تعاونا كبيرا فى الوصول إلى هذه الأموال، وفى سياق البحث عن هذه الأموال ومصادرها كانت المفاجأة الثانية فى الانتظار، حيث تبين أن هناك تحويلا آخر باسم نجل مرسى الأكبر «أحمد» الذى يعمل طبيبا بالمملكة العربية السعودية، وبالكشف عن رقم التحويل الذى تم عبر ذات البنك السعودى كانت المفاجأة الأخرى، والتى ربما تؤكد أن عائلة مرسى كانت تعانى من قلق كبير مما سيحدث فى 30 يونيو، فقد حول أحمد محمد مرسى مبلغا أضخم من مبلغ أخيه، ووفقا لمصادرنا القضائية والرقابية فإن أحمد محمد مرسى قد هرب 100 مليون جنيه من مصر قبل 30 يونيو بأيام، فقد كان تاريخ التحويل، وفقا لمصادرنا، هو 24 يونيو 2013 أى بعد التحويل الأول بيومين فقط!! هنا نحن أمام قضية نوعية فارقة فى حياة جماعة الإخوان المسلمين، فالمعلومات الواردة من مصر والسعودية تتعارض تماما مع ما هو متوافر لدى الجهات الأمنية الرسمية المصرية بشأن ثروة مرسى وأبنائه، فالابن الأول «عمر» الذى حول إلى السعودية 10 ملايين دولار كان منذ أشهر قليلة يعانى من البطالة وكان يريد أن يعمل فى وظيفة حكومية بملغ 900 جنيه شهريا، أما الابن الثانى «أحمد» والذى حول مبلغ 100 مليون جنيه مصرى فقد كان يعمل طبيبا فى السعودية ولا يتناسب هذا المبلغ مع ما يتقاضاه الأطباء المصريون فى السعودية، ولم يكن راتب مرسى بأى حال من الأحوال كبيرا لكى يدخر أبناؤه كل هذه الأموال، فوفق أقل التقديرات كان مرسى يتقاضى 30 ألف جنيه شهريا من منصبه كرئيس جمهورية، أى ما يعادل 360 ألف جنيه سنويا، ووفق تقديرات أخرى فإن مرسى كان يتقاضى 300 ألف جنيه شهريا، أى بما يعادل 3 ملايين وستمائة ألف جنيه سنويا، وهو المبلغ الذى لا يقارن بعشر ما حوله أحد أبنائه، فمن أين جاءت هذه الأموال، ومن أين حصل أبناء مرسى عليها، وفيم كانوا يريدون صرفها؟ ما يزيد من علامات الاستفهام هو أن جهات التحقيق قارنت أرقام المبالغ التى جاءت بتحويلات أبناء مرسى مع إقرار الذمة المالية لمرسى الذى سلمه إلى لجنة الانتخابات الرئاسية قبل اختياره رئيسا، فقد أثبت مرسى أنه لا يملك سوى 2 فدان، مؤكدا أنه يدخر مبلغ 170 ألف دولار جاءت من حصيلة عمله بالخارج، وإذا وضعنا فى الحسبان أن والد مرسى كان فلاحا بسيطا لا يملك شيئا فإن علامات الاستفهام تتضاعف، فقد كانت حياة والد محمد مرسى غير ميسورة بدليل أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر منحه خمسة فدادين وفقا لقانون الإصلاح الزراعى، وقد باع هذا الوالد وفقا لما أكده مرسى فى تصريحات إعلامية سابقة من هذه الفدادين فدانين لينفق على تعليم مرسى وإخوته، ثم باع آخر لينفق على مصاريف زواج مرسى، فكيف يهرب الأحفاد هذه الأموال بعد أقل من سنة فقط قضاها «مرسى» فى الحكم؟ المفاجأة الثالثة كانت بانتظار جهات التحقيق حينما كشفت عن حسابات محمد مرسى الشخصية، فقد تبين أن هناك العديد من المخالفات المتعلقة بالذمة المالية لمرسى أهمها أنه ثبت لدى جهات التحقيق أن مرسى مشارك بشكل شخصى وليس بشكل حزبى فى قناة «مصر 25» بنسبة %40 وقد بلغ حجم الأموال التى ضخها مرسى فى هذه القناة حوالى مليون دولار، أى سبعة ملايين جنيه مصر، والمثير فى الأمر هو أن مرسى لم يثبت هذه الأموال فى إقرار ذمته المالية التى تقدم بها حين تعيينه رئيسا للجمهورية، وبالبحث عن أصول هذه الأموال كانت المفاجأة الرابعة، فقد تبين أن النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين «خيرت الشاطر» قد حول مبلغ مليون دولار أمريكى إلى مرسى فى 2011 وقبيل ضخ مرسى حصته فى قناة «مصر 25»، أما المفاجأة الخامسة فقد اكتشفتها جهات التحقيق حينما بحثت عن أصول أموال مرسى وممتلكاته، فقد تبين أن «شقة التجمع الخامس» التى تقطن فيها أسرة مرسى مستأجرة من رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك، وهو ما يؤكد أن هناك تداخلا كبيرا بين أموال مرسى والحزب وقيادات الجماعة، وأن هناك تلاعبا وصفته مصادرنا القضائية بأنه «غير مبرر قانونيا» مؤكدة أن الأيام القادمة ستجيب عن العديد من الأسئلة الشائكة بشأن تهرب أموال مرسى والجماعة وضلوعهم فى جريمة غسيل الأموال، أو ربما تضيف إليها أسئلة أخرى.