هل مازلت تستمع إلى الإذاعة في السيارة أو البيت أو باستخدام الجوال؟ لأنه يصادف يوم الثالث عشر من هذا الشهر (فبراير) اليوم العالمي للإذاعة والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2012 بناء على طلب من جهة إسبانية. وسبب اختيار هذا اليوم بالذات لأنه يوافق اليوم الذي أطلقت فيه الأمم المتحدة صوت إذاعتها للعالم وكان ذلك في عام 1946م. ما يهمنا في الموضوع ليس الإذاعة بحد ذاتها ولكن كيف كانت بداية الاختراع؟، وما الدروس المستفادة؟ وسوف نذكر ذلك في عدة نقاط على شكل وقفات سريعة لعلنا نستوحي منها ما يفيدنا في حياتنا الشخصية والعملية. الوقفة الأولى: أن الأحلام الصعبة أو التي تبدو أحيانا للبعض أنها خيالية ممكن تحقيقها وذلك لأن الايطالي غولييلمو ماركوني قال عنه الناس: انه مجنون حين صرح بفكرة إرسال رسائل عبر مسافات بعيدة وبدون استخدام أسلاك!، وقد كان ذلك في عام 1901 ضربا من الجنون (كما لو قلت لكم اليوم أنني استطيع نقل الأجسام عن طريق الموجات!!) ولكنه اثبت للعالم كله أن ذلك ممكن حيث استطاع إرسال موجات لاسلكية عبر المحيط الأطلسي من إنجلترا إلى كندا لتكون تلك أول رسالة بدون أسلاك في التاريخ. إذا الدرس بالنسبة لنا هو أن نؤمن بأحلامنا حتى ولو قال البعض عنها انها أحلام عصافير! وقد حصل ماركوني على جائزة نوبل عام 1909م لأن الخيال أصبح واقعا. الوقفة الثانية: أن الحلم يبدأ صغيرا ثم يكبر وتكون له فوائد كثيرة ومتعددة لم تكن تخطر على البال في البدايات. فقد اشتهر اختراع ماركوني بعد أن استطاعت سفينة مثل تيتانك في عام 1912 م أن تبعث برسائل إغاثة لاسلكية لتنقذ الكثير من الأرواح الذين كانوا سيموتون في عرض البحر. مما أدى بعد ذلك إلى صدور قرارات صارمة تقضي بإلزام سفن الركاب بتركيب أجهزة لاسلكية. ومن ثمرات اختراعه أنه تطور بعد ذلك حيث تمكن الإنسان من نقل صوته عن طريق الموجات اللاسلكية من محطات الإذاعة إلى جهاز الاستقبال وهو الراديو أو المذياع في عام 1915. الوقفة الثالثة: أنه قد تحصل لنا مناوشات جانبية وحتى صراعات قضائية في السباق على براءة الاختراعات، فلا يعني ذلك أن نتوقف أو نفتر. فقد ادعى النمساوي الأمريكي نيكولا تيسلا أنه هو مخترع جهاز الإرسال اللاسلكي وهو أحق بالاختراع منه. ولكن المهم أن المستفيد الأول في هذا التنافس المحموم هم البشرية. خصوصا إذا كانت هذه الاختراعات مفيدة للإنسان والبيئة التي يعيش فيها. الوقفة الرابعة: إن أي فكرة جديدة أو حلم ممكن أن يتحول إلى عمل تجاري إذا كان الناس في حاجة إليه، وبناء على ذلك علينا أن نرفع سقف التوقعات حين نحلم!. ففي عام 1920م أصبح اختراع الراديو معروفا ومشهورا ولا يستغنى عنه، وتحول بالتالي إلى تجارة رابحة حول العالم. الوقفة الخامسة: أن الإبداع ليس دائما سببه المعاناة، فقد عاش ماركوني في أسرة غنية وكان بإمكانه أن لا يفعل شيئا، ويأكل ويشرب وينام ببلاش!! ولكن شغف العلم والحلم كانا هما الوقود. وهذا الذي لابد أن نبحث عنه كثيرا وبإصرار في أعماقنا حتى نكتشفه، ثم نتشبث به ما حيينا!!. الوقفة السادسة: لا يزال المذياع صامدا شامخا منذ مائة عام أمام هجوم الاختراعات الجديدة من تلفزيونات وفضائيات وانترنت وجوالات وغيرها. ولا يزال أيضا له عشاقه ومريدوه، ومازالت الشركات تتهافت على الدعاية من خلال الإذاعة، وستظل وسيلة مهمة من وسائل الإعلام. بل حتى من ناحية السلامة في المركبات والسيارات يظل الراديو (المذياع) هو أكثر أمنا من استخدام الشاشات أو الجوالات. وختاما، بما أن المذياع صمد أمام كل هذه التطورات والتكنولوجيا الإعلامية الحديثة، فهل تظنون أن الصحافة الورقية كوسيلة إعلامية سوف تصمد أمام زحف حشود الصحافة الرقمية؟، ربما نحتاج إلى مقال آخر لنناقش هذه القضية!!