من يقرأ تاريخ الدول والممالك والشعوب السالفة يدرك جيداً أن برامج وحملات تصحيح أوضاع العمالة وأنظمة العمل والعمال لم تكن -أبداً- حديثة عصرنا الحالي، كما لم تكن مشاكل البطالة والفقر والهجرة وليدة عصر النهضة الصناعية، والثورة الاتصالية والإعلامية الحديثة، فالتاريخ بمختلف مصادره ومراجعه المنقولة والمحفورة والمروية، يطلعنا على كثير من الكوارث والمشاكل الديموغرافية والاجتماعية والسياسية، والتي كان الاستقدام وجلب العمال المهنيين والحرفيين، وكذلك الأساتذة والنخب من أبرز الظواهر والمتغيرات التي جرّد لها الرحالة والمؤرخون مداد أقلامهم، فوصفوها كظواهر اجتماعية من شأنها تغيير أنماط الحياة، ودفع عجلة التقدم الإنمائي والحضاري في الأرياف والمجتمعات الحضرية. الملك عبدالعزيز استقدم «الساسة» والمختصين والعلماء العرب والمسلمين للنهوض بالبلاد حضارياً إطلالة تاريخية عرفت الأمم السابقة نظام العمل والعمال منذ القدم، كما سن الأقدمون النظم واللوائح المنظمة لأنظمة استقدام العمالة، أو حتى الخبراء والتجار القادمين لبلادهم عن طريق "إذانات" أي الأذن والسماح بدخول البلاد أو الإقليم، وهو ما نسميه الآن التأشيرة، كما عرفوا الرقاع التي يختم عليها بإذن الدخول والخروج من البلدة، وإن لم توجد الرقاع فيختم على ساعد الرجل أو المرأة، وهو ما رآه "ابن بطوطة" في مدينة دمياط بمصر، كما ذكر أن رجال الإدارة والبحرية في الصين كانوا يقيدون أسماء كل من يفد إلى بلادهم عبر المنافذ وعند خروج القوافل أو المراكب، بل كان رجال الحرس يعدون الأسماء التي قيدوها فإن نقصت طالبوا قائد المركبة أن يطلعهم على أمر الشخص الغائب، بل لقد ذكر ما هو أعجب من ذلك وهو أن بعض أقاليم الصين كانوا من المهارة والدقة والحرص ما يجعلهم يصورون كل من يمر وينزل في بلادهم من الغرباء وقال: "وتنتهي حالهم في ذلك أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد وبحثوا عنه، فحيثما وجد في تلك الصورة أخذ"، وهو يقصد بالتصوير أنهم كانوا يرسمون وجوه كل من ينزل على بلادهم ويحتفظون بهذه الصور في إدارة المنافذ والشرطة، بل إنه "ابن بطوطة" قد تحدث عن الخادمات في المنازل حين نزل إلى جزر المالديف التي كانت تسمى آنذاك جزائر "ديبة المهل"، وفصّل في نظام عملهن وعدد ساعات العمل اليومي لهن، كما تحدّث عن سهولة نظام المغتربين في دمشق الشام، وأظهر حجم الخدمات التي يلاقيها المغترب من ترحاب الأهالي هناك وتعاونهم مع الغريب، كما فصّل كثيراً في المهام والحرف والمهن التي كان العمال والوافدون يعملون بها، وفق أجور وعوائد معلومة محددة بينهم وبين صاحب العمل، كما يطلعنا "ابن بطوطة" على نظام التنقل المعمول به بين مصر والشام التي لا يسمح لأحد المرور أو الدخول إلى إحدى الأقاليم هناك إلاّ ب"براءة" أي إذن بالسفر أو الدخول، وهو ما نسميه الآن جواز السفر، حتى إن أمير ذلك المنفذ كان له حيل عجيبة في تتبع الخارجين عن النظام والهاربين من المنافذ الحدودية. وفي حين نقل لنا الرحالة "ابن جبير" صرامة رجال المنافذ في مدينة الإسكندرية؛ جاء المستشرق الفرنسي "شاربونو" ليؤكد لنا من مخطوطة الرحالة "محمد العبدري" في القرن السابع الهجري بعض الإجراءات التسعفية التي يلقاها كل من ينزل بمنفذ الإسكندرية حتى إن "ابن جبير" أثناء رحلته الثانية رفع شكوى للسلطان "صلاح الدين الإيوبي" عبر قصيدة له يطلبه ضرورة تأديب بعض رجال (الجوازات) و(الجمارك) هناك، في حين كان بعض المسافرين والعمال الوافدين يحتالون على رجال المنافذ بالأمراض المعدية كيلا يقترب منهم رجال الحرس ويفتشون ملابسهم، أو يظهرون أنهم خرسان أو غرباء لا يجيدون اللغة العربية، ولذا فهم لا يستجيبون لأوامر ما نسميه الآن زوارق سلاح الحدود، بل إن السلطان "منسا موسى" حاكم إقليم مالي كان إذا غضب على أحد عماله نفاه إلى بلاد الزنج وهم آنذاك شعوب تأكل لحم الآدمي، ويا لحسرة هذا السلطان حين رجع القاضي -الذي كان مغضوباً عليه من قبل السلطان- سليما معافى لكونه أبيض البشرة في حين كان الزنوج يرون أن لحم الرجل الأبيض لم ينضج، ولذا فهم لا يأكلونه بل يخافون منه، كما كانت بعض الشعوب الأفريقية لا تجيز للرجل اصطحاب نسائه إن هو ظفر بفرصة عمل في إحدى الدول أوالأقاليم المجاورة. وتحدث الرحالة المسلمون كثيراً عن أسطورة جزيرة النساء في بلاد المغرب وكيف أن النساء كن يقمن في تلك الجزيرة بجميع الحرف والمهن، وذكر الرحالة "ناصر خسرو" -المولود في أواخر القرن الرابع الهجري- أن العامل إذا نزل إلى إقليم الأحساء يقرض مبلغاً من المال يستعين به على شراء حوائجه ومستلزمات عمله، كما ذكر الرحالة "السيرافي" أن الجالية المسلمة في الصين كانت تتمتع بكامل حقوقها، وعلى الرغم من أن المدن والممالك الإسلامية آنذاك كانت تعيش ذروة المجد والرفعة الحضارية والمدنية، إلاّ أنك تجد بعض العرب والمسلمين نزلوا إلى بعض البلاد القصية والبعيدة، كما روى "ابن فضلان" حين نزل إلى الشمال الأوروبي بعد الثلاث مئة للهجرة، فوجد هناك الخياط البغدادي الذي كان يعيش في أحد أصقاع العالم المجهول في ثلوج شمال شرق أوروبا، بل لقد كان المهندسون والبناءون والعلماء يطلبون في كافة الأقاليم وبغالي الأثمان ك"الرازي" و"ابن الهيثم" و"البيروني" و"ابن سينا" وغيرهم، كما كان حال الأدباء والشعراء الذين يستقدمهم السلاطين، ولذا قال النقاد والأدباء إن "أبا الطيب المتنبي" كان يملك جوازاً عالمياً يتيح له النزول بأي بلاط شاء ومتى شاء، وهو ما ترويه لنا فعلاً سيرته الشخصية، حيث جال بالبلاد ونزل معظم أقاليم الدول الإسلامية آنذاك، لا لشيء يملكه أو بضاعة يتاجر بها، سوى أنه يملك بين فكيه لساناً فصيحاً يفيض من درر الشعر. تستر قبل ألف عام كانت حركة الزط في التاريخ الإسلامي تمثّل أكبر حركة شهدتها القرون الوسطى للعمالة المتخلفة، إذ يتفق المؤرخون أن "الزط" هم قومٌ من أخلاط الناس توافدوا إلى البصرة من بقاع وأقاليم شتى وعملوا مع أهالي البصرة والأقاليم المجاورة في الزراعة وجلب المحاصيل الزراعية، ثم تكاثروا وزاد عددهم إلى أن ظهر منهم الشغب وقطعوا الطرقات وهددوا أمن دولة الخلافة، واستمروا على حالهم وحتى عجزت عنهم جيوش الخليفة المأمون، إلى أن جاء الخليفة "المعتصم بالله" العباسي فهزمهم، وتتبع فلولهم حتى قضى عليهم جميعاً، ثم إن حركة الزنج في القرن الثالث الهجري كان لها دور مماثل لشغب حركة "الزط"، إلاّ أن شرها كان أعم وأطم، وقد أفرد لها المؤرخون والرواة الصفحات الطوال، بل لقد عايشها كبير المؤرخين "محمد بن جرير الطبري"، وكتب عنها تفاصيل طويلة، لا سيما وأنها قامت أيضاً في كور البصرة، وقريباً من مقر الخلافة آنذاك، وكانت بسبب العمالة السائبة التي استغلت غفلة النظام في ديوان الخليفة وهيمنت الجند في سامراء على مقاليد الحكم آنذاك، حتى قدرت وفيات شغب الزنج بألف ألف وست مئة ألف أي أكثر من مليون ونصف المليون من البشر على مدار أكثر من عقدين من الزمان. تجارة الرق لم يكن استقدام العمالة غريباً على بلادنا إذ تفيد المراجع التاريخية والمنقولات والمخطوطات التراثية، أن جلب العمالة والخدم كان منتشراً بين تجار الأزمانة السابقة، حتى إنهم كانوا يجلبونهم في السفن والبواخر، وكان البعض يهربهم من نقاط التفتيش ورجال الجمارك لكيلا يدفع رسوم الدخول التي يقرها حاكم هذا الإقليم أو ذاك، ولأن هذا الأسلوب كان متبعاً في كثير من الأقاليم، حيث يكترى "يؤجر" أو يباع العامل إلى من يستأجره على ثمن معين في زمن محدود ومعلوم، يتم الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة، وهم العامل والمستأجر والمؤجر، وربما تحصل الدولة على رسوم معينة جراء ذلك، وعليه فقد كانت تجارة الغلمان أو الخدم نوعاً من الأساليب الاستثمارية المربحة، على أن يتم العمل بها بموافقة كافة الأطراف ورضاهم، دونما أي غبن لطرف ضد طرف آخر، وعليه كان القضاء هو الحكم بين حالات الأشكال والخلاف بين أطراف العمل. وعلى الرغم من أن كافة أقاليم الجزيرة العربية كانت تتبع مثل هذا النمط فيما نسميه مجازاً نظام العمل والعمال؛ فإن إقليم الحجاز كان مختلفاً بحكم الوفود الكبيرة من الحجاج والمعتمرين الذين يمتنعون من العودة لبلادهم ويستقرون في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما حولها من المدن، فيعملون كأرباب حرف ومهن مختلفة وكان لهم حينذاك نظام دقيق يحدد لهم أعمالهم ومقار سكنهم وتواجدهم، حتى إن أحياء مكة المكرمة ما زالت تحتضن أحياء الجاليات الوافدة من الأقاليم المجاورة أو حتى من الدول العربية والإسلامية، وتحض لكل حي عمدته وأعيانه الذين يعنون بشأنه وأحواله، ويعدون في مطالبهم ومقترحاتهم لشريف مكة أو لحاكمها الذي يشرف على أعمالها. تحدي البدايات مع بداية التنظيم الاقتصادي والإداري في المملكة كانت مهمة جلب واستقدام الخبراء والمختصين ضرورة من ضرورات النهوض بالبلد، وعليه فقد رحب الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بالساسة والأساتذة والعلماء العرب والمسلمين الذين كان لهم -بعد توفيق الله سبحانه- الأثر في دفع عجلة النهوض المدني والحضاري -مع إخوانهم من أبناء المملكة- في سائر المجالات. وحين احتاجت البلاد بعد توسعها إلى البحث عن الثروات والموارد المائية والزراعية والنفطية، لجأت الحكومة -منذ الأربعينيات الهجرية- إلى خيار الإفادة من الخبراء في الدول المجاورة والأجانب من الدول الصناعية، لا سيما في البحث عن مصادر المياه وإعمار المدن لتوطين البادية وإحلال حرفة الزراعة محل الرعي والتنقل، وذلك باستجلاب واستقدام الخبراء الزراعيين وشراء المكائن والمعدات الزراعية الحديثة، وقد سميت بعض السنوات آنذاك بسنوات جلب المكائن أو المصحات أو سنوات التطعيم والحملات التعليمية وهكذا، كما تم استقدام الأطباء والممرضين وإقامة "الكرنتينات" والمشافي والمراكز الصحية في القرى والمدن، ناهيك عن حملات التطعيم الجوالة، وجلب أكبر عدد ممكن من الأطباء البيطريين لعلاج وتحسين مستوى الإنتاج الحيواني، هذا بالإضافة إلى استقدام الأساتذة والمعلمين في خطوة أولى لمكافحة الأمية والعمل على نشر العلم وافتتاح المدارس النظامية، وكانت حينها الأوامر تُعطى من قبل ولي الأمر وهو الملك المؤسس وذلك بمشاورة المستشارين والخبراء في ديوان الملك والمجلس الاستشاري أو مجلس الشورى آنذاك، وفي أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات والستينيات الهجرية بدأت ملامح التنظيم الإداري والمالي تتضح أكثر فأصبحت المصالح والمديريات تؤدي هذا العمل كل وفق تخصصه وعمله المناط به، رغم قلة الموارد وشح العوائد المالية العائدة من المشروعات الزراعية والآباء النفطية آنذاك، وقد شكّل استقدام شركة أرامكو خطوة تنظيمية جديدة في نظام العمل آنذاك، وعلى الرغم من أن بحار النفط -بفضل من الله سبحانه- بدأت تفيض منذ عام 1357ه، إلاّ أن مصروفات التنمية ظلت تطلب المزيد، وفي السبعينيات الهجرية بدأ عمل معظم الوزارة وبدأت المخصصات المالية لكل وزارة تحدد سقف احتياجاتها من العاملين والخبراء المستقدمين من الخارج، وهو ما استمر عليه الوضع إلى مايقارب من نهاية السبعينيات، وحينها كان الأشقاء من اليمن يشكلون -مع أبناء البلد- معظم العمالة، لا سيما وأنهم كانوا معفيين من نظام الكفيل إلى عام 1411ه. طفرة وخطط خمسية كانت أحداث عام 1393ه المتمثلة بحرب أكتوبر "العبور" تعد نقطة فاصلة في حركة الاستقدام في البلاد، وتحديداً مع حظر النفط وارتفاع أسعار برميل الزيت، وإقرار الخطط الخمسية وظهور المؤشرات الأولى للطفرة التي عاشتها البلاد نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية، وحينذاك كان ثمة تحد بين خيارين مفصليين، وهما إما تحجم الدولة عن سرعة إقامة المشروعات الكبيرة والضخمة وتترك ذلك للزمن، حيث تعمل على دفع عجلة الإنماء بترو دون مواكبة للأرقام الفلكية التي تجنيها الدولة جراء المبيعات النفطية، أو العمل بالخيار الثاني الذي يطالب بأن نختصر الزمن ونعمل على تحقيق أكبر قدر من النمو في كافة المجالات، واستغلال الحجم الهائل من العوائد النفطية في تنمية البلاد، وهو ما تم فعلاً العمل به، خاصة وأن أحد مسوغات هذا الخيار كان ضرورة تقليص حجم الأمية بالبلاد، والتي كانت سبباً في جلب أكبر عدد ممكن من الأساتذة والخبراء، خاصة وأن إقرار الخيار الثاني تطلب حجماً كبيراً من العمالة التي عملت في البداية وفقا لمتطلبات السوق، وبالأخص المزارع التي وجدت الدعم الحكومي السخي آنذاك لرفع مستوى المنتوج الزراعي الذي سجل فيه منتوج القمح أرقاماً قياسية. مكاتب الاستقدام في بداية الثمانينيات الميلادية تم افتتاح فرعين لمكتب الاستقدام في كل من جدة والدمام، وأعطيت لهما صلاحية استقبال الطلبات واستكمال إجراءات متطلباتها، كما مُنحت صلاحية استقبال طلبات الأفراد السعوديين والبت فيها، ثم استقبال طلبات العمالة بصفة عامة عن الوزارات والمؤسسات الحكومية، إلى أن مُنحا كامل الصلاحية التي يتمتع بها المكتب الرئيس في الرياض، وكانت أبرز التحديات التي واجهت المسؤولين بداية الثمانينيات هي تنفيذ توجيهات القيادة حول كيفية الموازنة بين زيادة أعداد المستفيدين، وبين سعودة الوظائف، وكذا التوازن بين الجنسيات لكيلا تغلب جنسية واحدة على العمالة المستقدمة، بالإضافة إلى ضرورة إعطاء العمالة العربية الأولوية في الاستقدام، وهو ما ظهر في الضوابط التي حاول مكتب الاستقدام تنفيذها، كما يقول "د. عبد الجليل السيف" -المدير الأسبق لمكتب الاستقدام-، حيث بدأ التنسيق مع وزارة التجارة لإعادة النظر في الإجراءات المتبع اتخاذها لإصدار السجلات التجارية، ناهيك عن التنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية "وزارة العمل حالياً" للشروع في تسجيل جميع المؤسسات والمحال والورش لدى مكاتب العمل وإحضار شهادة بالتسجيل بعد التأكد من وجود المؤسسة أو المحل من قبل مكاتب العمل، وذلك للحد من وجود المؤسسات الوهمية، كما تم التنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية للعمل على توحيد تراخيص المحلات والورش التي تصدرها، إضافة إلى العمل على إيجاد الفرص المناسبة للكوادر السعودية للنهوض بدورها في القطاعات الأخرى، وقد استمر مكتب الاستقدام هو المشرف والمنفذ لكل السياسات المتعلقة بالاستقدام والعمالة الوافدة إلى أن أسند التنفيذ إلى وزارة العمل وأصبح دور وزارة الداخلية هو المتابعة والإشراف على سير العمل. تستر وتحايل! رغم أن بداية الاستقدام -لا سيما في منتصف السبعينيات الميلادية- كانت تسير وفقاً لما هو مرسوم لها، إلاّ أن ظاهرة التستر والتحايل على نظام العمل والعمال بدأت تسري في المجتمع، فبعد أن شهدت الثمانينيات الميلادية ظاهرة "خدم المنازل" وانتشرت ثقافة "العاملة المنزلية" و"السائق الأجنبي"؛ ظهر في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينات ظاهرة التستر والتحايل على النظام ومكاتب الاستقدام، حتى أصبح الاستقدام تجارة من لا تجارة له، وأصبح الاستقدام لأجل الاستقدام، وتأجير المستقدمين والعمالة عبر الإيجارة أو السخرة -نوع من أنواع المتاجرة-، وهو ما زاد من حجم الإهدار وترحيل الأموال، كما زاد من حجم البطالة وقلص من حجم الفائدة المستقبلية من الكادر المستقدم. وعلى الرغم من حاجة البلاد للأحجام المحددة من المستقدمين، إلاّ أن التحايل على النظام والتستر على العمالة المتخلفة وتهريب العمال والعمل عند غير الكفيل، ناهيك عن الزيادة المضطردة في جلب العمال على حساب الكفاءات والخبرات ذات المستوى التعليمي والتخصصات النادرة، كل ذلك عجل بل سرع من انتشار ظاهرة إحلال الأجنبي محل السعودي في كثير من المصالح والأعمال، ناهيك تفشي ظاهرة التسول والبطالة المقنعة جراء تستر الكفيل وصاحب العمل على العامل الذي يعمل بعيداً عن كفيله وفي غير مهنته، ناهيك عن تزايد أعداد العمالة غير النظامية، ممن لا يملكون جوازاً أو تأشيرة دخول للبلد، أو أولئك الذين يتأخرون في السفر والعودة لبلادهم بعد أداء الحج والعمرة، وهو ما تعمل الآن وزارة الداخلية بقطاعاتها المختلفة على تنظيمه وتصحيحة مع وزارة العمل، من خلال حملة تصحيح أوضاع العمالة التي يظل وعي المواطن أحد أهم أسباب نجاحها بإذن الله.