×
محافظة عسير

«صحة القصيم» توجه بإجراء مسح صحي شامل لمركز أبانات

صورة الخبر

الفيلسوف النمساوي الجرماني ( لودفيك يوسف يوحنا فتغنشتاين) اتسمت سيرته الوجودية بقدر كبير من الترجرجات والحيرة الفلسفية، وقد اقترنت تلك الحالة بتراجيديا حياتية دونها انتحار ثلاثة من إخوته، وكونه من جذور عائلية تمرغت في ميتافيزيقيا البروتستانتية المحايثة ليهودية العهد القديم، والتصادمات الدينية والقومية الأوروبية التي كانت وقوداً لنيران الحربين العالميتين. ومن سوء حظ فتغنشتاين وربما من حسن حظه أنه كان شاهداً ومشاركاً في تلك الحروب العاتية، ولولا ملكاته في الموسيقى والرياضيات لما تمكن من دوزنة حياته القلقة ومواهبه المتعددة، فقد كانت ذائقته الموسيقية الرفيعة دالته الكبرى لموهبته في الرياضيات والهندسة، وحتى الفلسفة. أوردت هذه المقدمة العابرة عن الفيلسوف الأشهر في القرن العشرين المنصرم لملاحظة ذات الإرهاصات التاريخية القائمة التي تذكرنا بحيرته وتقلباته وعجزه الفلسفي عن الجواب.. لكن الأهم من هذا وذاك هو استنتاجه المفجع حول التاريخ ومعارجه، وكيف أنه توصل إلى نوع من أنواع العبثية الرؤيوية بتخليه الإجرائي عن قانون التوازن الذي يحدد ميزان الكون والطبيعة والمجتمع من خلال التناقض بوصفه الرافعة الكبرى لمعنى التوازن الجبري، كما هي الحال في الزائد والناقص في الحساب، والموجب والسالب في الكهرباء، والتفاضل والتكامل في الرياضيات، والإلكترون والبروتون في الذرة، وتساوي قوتي الطرد والجذب في حركة الكواكب، وانتظام الليل والنهار في اليوم، وغيرها من شواهد ناموسية إلهية قهرية ينتظم حولها البشر جبراً لا خياراً. تخلى فتغنشتاين عن هذه الحقائق الموضوعية ليتبنى نظرية الصدفة الاعتباطية المجردة، مراهناً على التحولات اللامتوقعة، والعواصف الخارجة من السياقات المنطقية البرهانية، معتداً بما أسماه نظام الشطرنج.. هنالك حيث يمكننا الدخول في معركة افتراضية نعرف قواعدها المسبقة، ولكن مسارها وتحولاتها اللامتناهية أقرب إلى العبث الذي يحيل الثوابت والقواعد إلى فوضى تحكمها الصدفة، والمتاحات الاعتباطية غير المخطط لها ذهنياً ونفسياً. تلك الحالة من التفلسف عكست وتعكس السمة العامة التي سادت أوروبا قبيل وبعد فاجعتي الحربين الكونيتين، وكأنهما بدتا في أذهان الرائين العارفين مجرد ترجمة حقيقية لقوانين الفوضى في الحياة. مما لا جدال فيه أن ذات الحالة تعيد إنتاج نفسها في عالم اليوم، ولعل الماثل المشهدي التراجيدي في العالم العربي يمثل ذروة التجلي (الفولكلوري) لقانون الفوضى والعبث، وهو ما يجعلنا في حيرة حقيقية أمام هذه الظواهر المفارقة لقانون الميزان الطبيعي الذي كان ولايزال فرس الرهان للأنبياء الملهمين، والرسل الناطقين بلسان الحق، والحكماء الناظرين لما وراء الآكام والهضاب. أنصار نظرية الفوضى ومركزية الصدفة التاريخية يعيدون اليوم إنتاج مشروعهم عبر التبرير الضمني لما يجري من استقطابات مرعبة في الجغرافيا الدينية والقومية العالمية، وبهذه المناسبة أود الإشارة إلى أن هذه الصناعة ليست عربية إسلامية، كما يتم التعميم الآن، بل إنها صناعة عالمية مدمرة، وقد تتبعت شخصياً على مدى الأيام القليلة الماضية هذه الظاهرة الاستقطابية المتعصبة في واحدة من أعتى وأكبر الثقافات الأوروبية، وهي الثقافة التاريخية اللاتينية الكاثوليكية، والسلافية الأرثوذوكسية، والبروتستانتية الانجلوسكسونية، فهالني ما سمعته وتابعته عبر المواقع الرومانية والإيطالية والأمريكية، من خطاب ديني إيديولوجي لا يقل فداحة وخطورة عن خطاب متعصبينا الدواعش والقاعديين. في مثل هذه الأحوال لن نستغرب ظهور فلاسفة وأصحاب رأي على غرار الفيلسوف وعالم الرياضيات الذي أسلفنا الحديث عنه. omaraziz105@gmail.com