«الإنذار الروسي» الذي حمله وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى المنسق العام للهيئة التفاوضية للمعارضة السورية رياض حجاب خلال لقائهما في الرياض، كان طوال أمس موضع تفسير وأخذ ورد بين دول «أصدقاء سورية» وقادة المعارضة لبلع «كأس السم» الذي تجرعته والقرار الذي ستتخذه المعارضة وما إذا كان ممثلوها سيذهبون إلى مفاوضات جنيف بالشروط التي وضعها تفاهم كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. بعد ظهر السبت، تبلغ حجاب من كيري أن المفاوضات هي لـ «تشكيل حكومة مشتركة مع النظام والعمل على انتخابات يحق (للرئيس بشار) الأسد الترشح فيها وليس هناك جدول زمني لرحيل الأسد» ذلك بناء على خريطة الطريق التي أقرها القرار الدولي 2254 الشهر الماضي على أساس تفاهمات «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا التي بنيت أصلاً على «الخطة الإيرانية الرباعية ذات النقاط الأربع»، وتضمنت «وقف النار وحكومة وحدة وطنية وتعديلاً للدستور وانتخابات»، بحسب ما قاله حجاب لشركائه ومسؤولين غربيين أمس. وأعرب عن القلق من التخلي الأميركي عن «هيئة الحكم الانتقالية بموجب بيان جنيف» للعام 2012 و «تبني التفسير الروسي- الإيراني للحل السياسي واعتماد مرجعية فيينا فقط». وبالنسبة الى تركيبة وفد «قائمة الرياض»، فإن كيري أبلغ حجاب، رئيس الوزراء المنشق، أنه تجب إضافة رئيس «الاتحاد الديموقراطي الكردي» صالح مسلم ورئيس «مجلس سورية الديموقراطي» هيثم مناع ورئيس «الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير» قدري جميل الى وفد المعارضة، أو أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا سيدعوهم إلى جنيف بـ «صفتهم مستشارين وخبراء». أيضاً، على المعارضة ألا تتوقع حصول «إجراءات بناء الثقة قبل المفاوضات، لأنها تخضع للعملية التفاوضية»، بل إن بعض الغربيين ذهب أبعد: «نعتبر بمجرد بدء النظام إدخال المساعدات الإنسانية إلى مضايا (في ريف دمشق)، هو بدء في إجراءات بناء الثقة» وأن المطالبة بتنفيذ البندين 12 و13 المتعلقين بفك الحصار وإطلاق معتقلين ووقف القصف العشوائي «شروط مسبقة»، وأن كيري ولافروف «متفقان على مفاوضات من دون شروط مسبقة». ووفق حجاب، فإن «رسائل» كيري، تضمنت «إنذاراً» من أنه على الهيئة التفاوضية أن تذهب إلى جنيف وفق هذه الشروط و «من دون ضمانات للتنفيذ وإلا فإن دعمنا للمعارضة سيتوقف»، وأنه «في حال ذهبت المعارضة إلى المفاوضات وأفشل النظام العملية لا نعد بزيادة الدعم حتى لو تصاعد القصف الروسي»، علما أن غرفتي العمليات العسكرية في الأردن تركيا التي تضم «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) هي المسؤولة عن تنسيق الدعم العسكري والمالي لفصائل معارضة شمال سورية وجنوبها، خصوصاً ما يتعلق بصواريخ «تاو» المضادة للدروع التي كانت مسؤولة عن «مجزرة الدبابات» لدى تدمير أكثر من مئة دبابة وآلية في وسط سورية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. في موازاة لقاءات كيري مع وزراء مجلس التعاون الخليجي وحجاب في العاصمة السعودية، كان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يجري محادثات مع القادة الأتراك هدفها الضغط لـ «عزل» تركيا عن سورية وفرض إجراءات أمنية حدودية لمنع التسلل وتكثيف العمليات ضد «داعش» والعمل على «خنق» هذا التنظيم، إضافة إلى «تليين» موقف أنقرة من إمكان إيجاد صيغة لمشاركة «الاتحاد الديموقراطي» في مفاوضات جنيف، خصوصاً بعدما أبلغت الخارجية التركية المعنيين أنه في حال شارك مسلم في مفاوضات جنيف، فإن تركيا ستنسحب من «المجموعة الدولية لدعم سورية» وإن «الائتلاف» لن يشارك في مفاوضات جنيف، في وقت استمر التعاون الأميركي العسكري مع «وحدات حماية الشعب» الكردية التابعة لـ «الاتحاد الديموقراطي» ويجري بحث إمكان إقامة قاعدة عسكرية في مطار زراعي شرق سورية على بعد عشرات الكيلومترات من مطار القامشلي الذي يجهزه الروس لعملياتهم. في موازاة ذلك أيضاً، كانت القوات النظامية السورية بدعم جوي وبري روسي تتقدم في آخر معاقل المعارضة في ريف اللاذقية وتقترب من قطع خطوط الإمداد عن تركيا. وبمجرد انتهاء لقاء كيري- حجاب، تكثفت اتصالات الهيئة التفاوضية في أكثر من اتجاه. بعض أعضائها وجّه اللوم لحجاب لأنه «استفز الروس» عندما جرى تعيين العميد المنشق أسعد الزعبي رئيس الوفد المفاوضات، ومصطفى علوش القيادي في «جيش الإسلام» كبير المفاوضين، في حين تساءل آخرون «ما إذا كان هذا التصعيد منسقاً مع دول إقليمية أم أنه سوء تقدير للموقف الأميركي والمواقف الإقليمية لدول داعمة للمعارضة». وعلوش أرسل ملخص «إنذارات» كيري إلى قادة فصائل مقاتلة لحشد الدعم. أعضاء آخرون بعثوها إلى قياديين في «الائتلاف»، فيما بدأ بعض الأعضاء شن حملة ضد «إملاءات روسيا وأميركا». وصباح أمس، كان الاتجاه في الهيئة التفاوضية لمقاطعة مفاوضات جنيف، بل إن البعض بدأ يعد لـ «حملة شعبية» ضد المفاوضات تبلغ ذروتها في تظاهرات من نشطاء و «الجيش الحر» الجمعة المقبل. والرهان هنا كان أن فرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر ودول إقليمية «ستقف مع المعارضة وستميز موقفها عن الموقف الأميركي». استدعى هذا «تدخلاً عاجلاً» من دول غربية وواشنطن. اجتمع المبعوث الأميركي مايكل راتني مع حجاب أمس، وتكثفت الاتصالات مع مبعوثي دول غربية وإقليمية لإيحاد مخرج و «البحث عن صوت العقلانية». الجهد الأميركي تركز على «تبريد» ما اعتبره حجاب «إنذارات». والصيغة كانت أنه بإمكان الهيئة المعارضة أن تكون «مرنة» وتذهب إلى مفاوضات جنيف وتقول موقفها «الصلب»، وهو أنها «تريد هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية وأن الدور للأسد في مستقبل سورية» وأن تريد أن يكون هذا الأمر «البند الأول على جدول الأعمال». أي أن «يتحول موقف الهيئة من مبدئي سابق للتفاوض إلى موقف تفاوضي». وتفتق ذهن أحدهم بأن يقنع علوش القيادي في «جيش الإسلام» بأن «يتنحى طوعاً» وأن تترك لممثلي «الجيش الحر» عملية بحث البعد العسكري والأمني في المفاوضات، بعدما تبلغت الهيئة ضرورة تغيير الزعبي وعلوش بعد اعتراض موسكو، خصوصاً أن الجولة الأولى لن تبحث شؤوناً عسكرية. ممثلون آخرون لدول حليفة للمعارضة رأوا ضرورة ذهاب الهيئة التفاوضية إلى جنيف، لأنه سيكون صعباً الدفاع عن مقاطعة العملية السياسية، خصوصاً أن وفد الحكومة تشكل وتبلغت الأمم المتحدة أسمائه، وهو يضم 17 عضواً برئاسة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد «المشرف العام ومقره دمشق» ورئاسة السفير بشار الجعفري وعضوية شخصيات من خلفيات مذهبية وعرقية ودينية وسياسية عدة، بينهم ممثلة «الحزب القومي السوري الاجتماعي» أمل يازجي ورئيس «المبادرة الكردية» عمر أوسي، إضافة إلى 19 «إعلامياً». كما تبلغت الأمم المتحدة وصول أعضاء في «القائمة الروسية» بينهم جميل ومسلم ومناع الى جنيف خلال ساعات. من جهته، دي ميستورا، المعزز بتمديد ولايته إلى أيلول (سبتمبر) من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ولا يزال يطمح بزيارة الرياض، يقدم مساء اليوم من منبر الأمم المتحدة في جنيف شرحاً لأسباب تأخر المفاوضات التي كانت مقررة اليوم. لكنه مستمر في الإعداد لهذه المفاوضات وفق تصور جديد، وهو أن تأتي الوفود إلى جنيف الأربعاء أو الخميس لإجراء مفاوضات غير مباشرة، حيث يجلس ممثلو الأطراف في غرفة منفصلة ويقوم دي ميستورا وفريقه بالتجول بينها. على المبعوث الدولي وفريقه أولاً، حل مشكلة تمثيل وفد المعارضة وما إذا كانت «قائمة موسكو» ستلون «قائمة الرياض» أم أنه سيتعاطى مع بعض أعضائها كمستشارين. ثانياً، عليه أن يحل «عقدة» برنامج المفاوضات. الحكومة تريد فقط بحث «محاربة الإرهاب»، فيما تريد المعارضة البحث في هيئة الحكم الانتقالية التي ترى دمشق أنها «انتهت بموجب القرار 2254 والحديث فقط عن حكومة وحدة وطنية». وهنا، فإنها تفتح ملف تشكيل هذه الحكومة مع «القائمة الروسية»، الأمر الذي لا يجد بعض المعارضين مبرراً كي يكون هذا من بوابة جنيف لأنه قد يحصل من منصة موسكو. ثالثاً، إجراءات بناء الثقة و «حسن النوايا»، وسط قلق المعارضة أن تتحول منصة جنيف إلى «مفاوضات إنسانية» وليست سياسية، وسط حديث مرصد حقوقي أمس أن 400 في مضايا المحاصرة في حاجة إلى علاج عاجل وأن غارات روسية قتلت مئة شخص في بلدة في ريف إدلب، بينما تتحدث الحكومة عن مناطق تحاصرها المعارضة. رابعاً وقف النار، ذلك أن دمشق ترفض وقف النار «لأننا في حالة دفاعية ضد الإرهاب، وعلى الآخرين وقف العدوان»، فيما تريد المعارضة وقفاً شاملاً للنار بعد التقدم في العملية السياسية. وهنا بدا كيري الوحيد من يريد وقف النار، على عكس الحكومة والمعارضة وحلفائهما. يحمل دي ميستورا هذه الأفكار في ذهنه إلى إسطنبول في اليومين المقبلين لعرضها على «الائتلاف» والحكومة التركية قبل بدء المفاوضات غير المباشرة التي تجرى الاستعدادات اللوجستية لها وكأنها حاصلة الخميس المقبل لمدة أسبوعين كي تعلق لترتيب اجتماع وزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا لبحث نتائج الذي تحقق وبحث إمكان التقدم وعقد مفاوضات مباشرة لتنفيذ 2254. إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير لصحيفة «فرانكفورتر ألغيمايني تسايتونغ» أمس: «أخشى أننا تخطينا مرحلة الانتقاء الدقيقة لاختيار جميع الأطراف والمفاوضين. بالطبع لا نريد على الطاولة إرهابيين وإسلاميين متطرفين يريدون فقط تخريب العملية السياسية، لكننا نريد تحالفاً من كل الذين يمثلون شرائح من المجتمع السوري ويمتلكون قوة فعلية ويحترمون مبادئ فيينا وهم مستعدون لوقف القتال خلال محادثات جنيف».