إلى أين تأخذنا تلك الأفكار والأعمال غير المسؤولة بعد أن وجدت منافذ متعددة لها تنتقل بواسطتها إلى العقول لتدعم الاهتمامات والممارسات السلبية التي يفاجئنا بها الصغار والكبار يوماً بعد يوم، بعد أن تحولت إلى جزء هام من حياتهم. هناك سفهاء يروجون لبضاعتهم بقوة وبشتى الطرق فتروج بين من يشبهون أصحابها، وبين من يتسم بضعف الشخصية، فتجده لا يعيش حياته إلا كصورة مقلدة لهذا وذاك، فيدمن التقليد للآخرين في كل شيء بدءاً من الشكل الخارجي وانتهاء بالقناعات الفكرية الشاذة، فهو يقول ما يقولون ويأكل ما يأكلون ويلبس ما يلبسون حتى صار التقليد جزءاً من حياته فلا يشعر به ولا بأثره عليه. الناس يتهمون الإعلام.. والإعلام يتهم الناس! وحقيقة الأمر أن الإنسان هو الذي يفتعل ذلك ثم يوظف له كل الوسائل الممكنة التي يجد فيها من يشاركه في التوجه نفسه والطمع نفسه؛ الطمع بالمال والشهرة حتى على حساب القيم والأخلاق والطرق السالكة إلى حياة هادئة ونظيفة وطبيعية. في طفولتي عندما كان الراديو يجد من يستمع إليه كنت أتعجب من بعض البرامج الأسرية والمونولوجات التي تتحدث عن تفكير بعض النساء الفارغات، كتلك التي تطلب السفر والمجوهرات والملابس ليس لأنها تريدها أو تحتاجها ولكن لأن صديقتها أو جارتها ارتدتها! تلك البرامج في ذلك الوقت تحاول معالجة الخلل في بعض البيوت التي تكون فيها المرأة غير مراعية لامكانيات زوجها المادية حين كان الرجال أيضاً يقومون بمهمة القوامة كما يجب. كنت حينها أتساءل هل فعلاً توجد امرأة بهذه العقلية؟! وبعد أن كبرت اكتشفت أنها موجودة هنا وهناك في نماذج من النساء يكاد لا يخلو منها بيت من البيوت مهما كان المستوى الاجتماعي والعلمي لها! وما يثير الدهشة أن هذه النوعيات صارت هي الأكثر حضوراً وتأثيراً والأخريات هن الشواذ عن القاعدة؛ أعني قاعدة التقليد التي ينطلق منها الضعاف. والعجب أيضاً أن الأمر شاع وتنامى بين الأناث والذكور إلا من رحم ربي من أصحاب الشخصيات التي تعرف قيمتها الأولية كانسان بعيداً عما يضاف لها من اكسسوارات. وليت أن الأمر توقف عند حدود الكماليات، فهو قد تخطاه إلى الغوص في الفكر المنحرف والشخصيات المريضة التي صارت تفرد لها مساحات واسعة في كل الأجهزة والوسائل الإعلامية بل وحتى الفكرية. فالكتب اليوم ما عادت هي كتب الأمس التي تقدم المعلومة والأدب والفلسفة وغيرها من العلوم، فقد زاحمتها بمنكب عريض تلك الكتب التي تفقد أمامها قدرتك لتجيب عن سؤال تطرحه على نفسك؛ من أين، وكيف، ولماذا تقرأ هذه الكتب ؟ بل من الذي سمح لها أن تمر لتكون مادة من ورق وحبر هما أغلى بكثير من عقول أصحابها! كنا نطمئن أنفسنا بأن هذه الشخصيات بكل انتاجها الهزيل سرعان ما تزول فهي مجرد زبد ولكن حقيقة الأمر أنها تتمكن يوماً بعد يوم وتدحرج في طريقها كثيراً من الشخصيات التي تشبه القشور والتي لو لم تجد ذلك التيار الزبدي لاستقام شأنها وتغير حالها. ونتساءل ما هو السبب الأول الذي يجعل الناس ينساقون وراءهم؟ فلا تجد إلا شيئاً واحداً هو المال. نعم المال الذي إن وصلوا إليه استطاعوا أن يشتروا به كل شيء من المغريات فحتى الجمال صار يشترى بالمال الذي يصرف على عمليات التجميل ولكن هذا لا يهم لو كان المال يأتي من طرقه المعتادة والتي تتطلب جهداً وعملاً وجدية مهما كانت طبيعة العمل. إن المصيبة أن يأتي المال بطريقة (بائعات الهوى) ولكن بأسلوب حديث، لقد انتهى زمن بائعة الهوى التي تسلم جسدها لكل عابر مقابل حفنة المال ربما لتأكل بها وجاء زمن عرض الأجساد فقط! وما كانت بائعة الهوى تمارسه في الغرف المظلمة صارت الوجوه المشهورة تنجح وتحقق شهرتها وتكسب أموالها إذا فعلته أمام فلاشات الكاميرات بطريقة مبتذلة وايحاءات وقحة أو خلف الشاشات كما تفعل تلك المذيعة المهووسة بجسدها والذي تقدمه لمشاهديها كوجبة تفتح أعينهم وتغلق اذانهم عما تنطق به. هذا النموذج المريض من الناس وجد من يأخذ بيده ويفسح له المجال ليقدم ما يسمى اعتباطاً برنامجاً تلفزيونياً هي فيه وسيلة للإعلان وجذب المال من المشاهدة والمعلنين. ولا أحد يفطن إلى أن هذا النموذج صار مثالاً يحتذى عند كثيرات بل ملايين يتابعنها كما يتابعن غيرها من العارضات ليبدأن طريق الحياة الرخيصة والمبتذلة!! وفي هذه المتابعة ما فيها من شرور لا حصر لها. لعل من بعضها أنها صارت تشجع على الجرأة الوقحة حتى صار الشواذ والمتحولين جنسياً يقتفون خطاها وخطى غيرها فصارت الأجهزة التي بين أيدي الناس تشبه فاترينات عرض الأجساد واللذات المحرمة. لست مع الرأي الذي يقول إن هذه النماذج لا ضرر منها، وانها مثلها مثل غيرها من النماذج السيئة الموجودة في المجتمعات والمتناقضة في أسلوبها وأهدافها، فهناك تلك الفنانة أو المذيعة في جانب وهناك الإرهابي في الجانب الآخر ! أتدرون لماذا ؟ لأن الجيل الذي نشأ وهو يشاهد امرأة تجوب البلاد من أدناها إلى أقصاها لتعرض جسدها وتقبض المال ويتزاحم الناس لرؤيتها والقرب منها، ثم تسخر كل الامكانات الطبية والمصنعية لتقليدها وتحث الناس على تقليدها لن يفلح في الدفاع عن نفسه أمام الإرهابي الذي يحمل المسدس والإرهابي الذي يحمل الكلمة، لأنه لن يفلح في التعرف على نفسه.