×
محافظة مكة المكرمة

إحالة مواطن اعتدى على شخص إلى “التحقيق”

صورة الخبر

في بداية ظاهرة من عرفوا بألتراس في مصر أثني عليهم وأمطروا دعماً وتأييداً وحباً وتمكيناً. لكن سرعان ما طرح بعضهم علامات تعجب تطورت بعد قليل إلى استفهام واستنكار. وتحول بعضهم إلى «كل» حين ظهر بالحجة والبرهان أن منهم من تم استقطابه، أو ربما كان مستقطباً منذ البداية من دون أن يدري أحد، ومنهم من جرى جذبه تارة بالمال وتارة بالدين، ومنهم من بقي على حاله محتفظاً بما جاء من أجله حيث ظل يغني بعلو الصوت «من ثالثة شمال بنهز جبال بنشجع أبطال فريق عظيم أديله عمري وبرضه قليل» متشحاً باللون الأحمر، أو «فرقتنا جوه عينينا، زي العادة جينا» ملتفاً باللون الأبيض. لكن أحداث السنوات الخمس الماضية في مصر أشارت إلى أن بين الأحمر والأبيض وبقية الألوان مزيد من الدرجات. فبين كارثة ستاد بورسعيد التي راح ضحيتها 72 من مشجعي النادي الأهلي من المراهقين والشباب في عملية قتل بدت منظمة في شباط (فبراير) 2012، وكارثة ستاد الدفاع الجوي التي راح ضحيتها نحو 20 من مشجعي نادي الزمالك في اشتباكات مع الأمن في شباط (فبراير) أيضاً ولكن في عام 2015، وغيرهما كثير من الأحداث الساخنة، تأرجحت مجموعات ألتراس الشبابية المصرية بين خانتي الجاني والمجني عليه، تبعاً لحكم القاضي الشعبي. القاضي الشعبي، أو الشعب، دأب على إصدار أحكامه على مشجعي كرة القدم من الشباب على مدار السنوات الخمس الماضية، وتحديداً منذ اندلاع ثورة يناير التي سلطت الضوء على هذه المجموعات الشبابية الكبيرة التي ظنت الغالبية إنها لا تفقه الفرق بين «الألف وكوز الذرة» في السياسة، فإذا بها ترسي أبجديات سياسية جديدة وتعطي الجميع درساً قوامه «توقع غير المتوقع دائماً». كثيرون لم يتوقعوا ظهور مجموعات ألتراس في اعتصام «رابعة»، لكنهم ظهروا. وكثيرون لم يتوقعوا مشاركة ألتراس في تظاهرات الاتحادية من أجل إسقاط نظام الإخوان، لكنهم شاركوا. فالصورة النمطية لشباب ومراهقي ألتراس ظلت لسنوات طويلة مسيطرة على غالبية المصريين، بمن في ذلك ذوو ألتراس أنفسهم. إنهم مجموعات شابة لا تفهم إلا في كرة القدم، ولا تتحرك إلا لمناصرة فريقها الكروي، ولا يضايقها سوى هزيمة فريقها، ولا يسعدها إلا فوزه. لذا ما زال ضلوع ألتراس الشديد – وأحياناً العنيف- في شؤون السياسة مثار حيرة وعدم فهم وخوف، والأهم من ذلك موضع خلاف سياسي بحسب التوجهات والميول والأيديولوجيات. أيديولوجيا محمد حسن محمد محفوظ الشهير بـ «محمد شيكا» فرضت نفسها فرضاً على ملايين المصريين الذين أصيبوا بصدمة بالغة لدى الكشف عن تفاصيل حياته. «شيكا» الذي يبلغ من العمر 22 عاماً ألتراس زملكاوي. صحيح أن إشاعات كثيرة انتشرت حول تمويل أو استقطاب مجموعات ألتراس من قبل جماعات دينية أبرزها جماعة الإخوان المسلمين و»حازمون» (الداعمة لمرشح الرئاسة السابق المحبوس حالياً حازم صلاح أبو إسماعيل)، إلا أنه لم يتم الإعلان عن أدلة واضحة خاصة بالتمويل مثلاً. حتى مشاهد جموع من ألتراس في اعتصامي «رابعة» و»النهضة» وهم يؤيدون الإخوان ويهددون معارضيهم ويغنون «مصر إسلامية» نسيته أو تناسته الغالبية. كذلك مشاركتهم في تظاهرات «الاتحادية» و»التحرير» لإسقاط حكم الإخوان نسيته أو تناسته الغالبية. كما نسيت أو تناست كل ما كان يتردد عن ضرورة النظر في الاعتبار إلى هذه الجموع الشابة السهلة الاستثارة، القابلة للحشد والتجييش، الخاضعة لعوامل غضب عدة، والتي تعاني الأمرين من مشكلات الفقر والبطالة والتعليم المتدني إلى آخر القائمة المعروفة. شيكا الذي تسلطت عليه الأضواء في الأيام القليلة الماضية على ضوء قيامه وآخر بالهجوم على سياح في أحد فنادق الغردقة وطعنهم، ما أدى إلى قتله على أيدي رجال الأمن أعاد قنبلة ألتراس إلى الضوء مجدداً. صفحة شيكا على فايسبوك قالت الكثير. مشجع فريق الزمالك الشاب والطالب في أحد المعاهد تحول من التشجيع إلى التشدد ومنه إلى انتهاج العنف طريقاً إلى الجنة. فمن معلق على حوادث الإرهاب في فرنسا بكلمة «احسن»، إلى معبر عن فرحة غامرة بحادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء ومقتل جميع ركابها معتبراً ذلك «أخباراً تشفي صدور المؤمنين»، إلى رفض تام لتهنئة المسيحيين بأعيادهم. شيكا ليس إلا نموذج لكثيرين غيره. بعضهم اعتنق الفكر الجهادي بدرجاته، والبعض الآخر يفكر في ذلك، وفريق ثالث متروك في مهب الريح، فإما اعتناق التشدد والتطرف، وإما القبول بما يعرض عليه من مكاسب نظير القيام بعمل هنا أو المشاركة في فعالية هناك، وفريق ثالث يكتفي بالتشجيع الكروي، وإن كان يظل عرضة للاستقطاب هنا أو الانجذاب هناك. ولا تزال المشكلات التي تصيب شباب مصر في مقتل متأججة. فقر شديد، وتحلل شبه كامل للمنظومة التعليمية قلباً وقالباً، وتحجر الخطاب الديني واقتصاره على خطاب وسطي مدعوم من الدولة وآخر غارق في التشدد والتطرف على رغم أنف الدولة، وبطالة يتوقع لها أن تستمر في التفاقم، وإحباط ناجم عن وضع داخلي، وآخر خارجي، وثالث إقليمي حيث شبح حرب عالمية ثالثة، وهوية دينية تجد نفسها في خانة الاتهام تارة وفي موقع الهيمنة والسيطرة والأفضلية على ما عداها تارة أخرى. آيات قرآنية مصحوبة بتفسيرات شخصية تطلب من المسلمين الجهاد في سبيل الله ورفع راية الخلافة، واعتبار كل ما عدا ذلك مضيعة للوقت. وفي هذا الوقت العصيب الذي تحاول فيه مصر النهوض بشبابها واجتياز عصر مبارك بكل ما فيه من فساد واستغلال، والتغلب على عام الإسلام السياسي وما كشف عنه من خواء وظلام, تقبع جموع ألتراس في الخانة ذاتها حيث تربة خصبة للتطرف، وأبواب مفتوحة للتشدد، وصدور مرحبة بالتجييش في ظل استمرار غياب جهود الإدماج ومحاولات الاحتضان وعوامل الإصلاح التي يجب أن تبدأ من منظومة التعليم. ومن منظومة التعليم، يعلق أحدهم ويعمل اختصاصي اجتماعي في مدرسة ثانوية معلقاً على خبر مقتل شيكا بقوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله. قتلوه لأنه حارب المشركين»! إنها قنبلة الألتراس التي كانت موقوتة وسحب فتيلها.