ذكر تقرير لـ «بي بي سي»، أنّ السلطات البريطانية تعتقد أن سيدارتا دهر، المعروف أيضاً بلقب أبو روميساء، هو الجهادي الجديد الذي أطلق تهديدات ضد بريطانيا في شريط فيديو جديد من داخل سورية، وأنّ أبو روميساء، على عكس محمد إموازي، الجهادي السابق الذي كان يهدد بريطانيا واشتهر باسم (الجهادي جون)، شخصية معروفة جيداً بين الإسلاميين المتطرفين في لندن. ويظهر في الفيديو أيضاً، طفلٌ يتحدث الإنكليزية بلهجة بريطانية. ظهور طفل الجهادي جون الجديد، على ما يبدو، جزء من بروباغندا «داعش» بأن ثمة جيلاً جديداً قادماً يحمل رسالة التنظيم، الذي يؤكد، في شعاره الشهير أنه «باقٍ ويتمدد». وما هو جدير بالانتباه، أنّ الشباب المسلمين تحت سنّ الثلاثين يُشَكِّلُون نسبة 62 بالمئة من أصل 1.6 مليار مسلم حول العالم. ثمة جدل ليس جديداً، لكنه مستمر، في أوساط الإعلاميين والباحثين والسياسيين في الغرب، حول ما إذا كان هذا الغرب قد نجح أم فشل في «حرب الرسائل والأفكار» التي يبثها «داعش» عبر تقنيات الإعلام الجديد، وعلى الطريقة الهوليوودية، أو كما قال أحدهم «الداعشوُوديّة»، وكأن نظرة التنظيم نحو الحاضر، كما يقول جون أولترمان، تُمَثِّلُ جزءاً من جاذبيته على غرار غُرَفِ التصوير في المدن السياحية التي تُنتِجُ صوراً تبدو قديمة لأشياء معاصرة على فترات زمنية مختلفة. من هنا، يذهب خبراء في تاريخ الثقافات ومحللون أمنيون في الغرب، إلى اعتبار «داعش» تنظيماً حديثاً ويقولون إنّ من الخطأ وسْم هذا التنظيم بأنه قروسطيّ. ويؤكد هؤلاء الخبراء أنّ أتباع التنظيم يلعبون دور الضحية، ويشعرون بالسُخط وحبّ الانتقام، ويعانون جنون الارتياب وكراهية الآخر، وأنّ الحقيقة المركزية الجامعة للتنظيم لا تتعلق بالقوة التي يمتلكها المسلمون، بل بالقوة التي فقدوها، حيث تُشَكِّلُ المظالم دافعاً للتنظيم، كما أنّ ضعف التنظيم البائس هو المحرّك لمعظم الأفعال الوحشية التي يقوم بها ضد رموز القوة العالمية. وعند النظر إلى أشرطة التنظيم المصوّرة، فإنها تحمل فكرة طاغية واحدة، فالتنظيم يسعى يائساً الى التساوي مع أعداء أكثر قوة وقدرة منه، وتتعلق الصور التي يبثها ببثّ مشاعر القوة في صفوف مقاتليه، وتترافق هذه الصور عادة مع جهود لإظهار ضعف أحد رموز القوى المُعادية. يضيف أولترمان: لعل «داعش» لم يكن أول من اخترع فكرة الذرائعية. فصدام حسين كشف عن رمزية بابل، وشاه إيران سعى إلى ربط نفسه بجمشيد وإمبراطورية كورش الكبير، وسعى موسوليني إلى إعادة بناء أمجاد روما، ونقل أتاتورك عاصمة تركيا من إسطنبول إلى قلب الأناضول لإنتاج هوية تركية «حقيقية». ومع ذلك، فإن ما يقوم به «داعش» أمرٌ مختلف. فهو يُشبه إلى حد كبير اعتماد هتلر واختراعه أحياناً للتاريخ الآري لإلهام مجتمع حديث وقيادته، ويتمثل العنصر المشترك في كلا المشروعين بالدمج العاطفي بين الرؤية الاجتماعية المثالية والرؤية التآمرية للعالم، حيث ثمة مجتمع مُنشغل في معركة مفتوحة ضد أعداء كُثر. هذه الرؤية المثالية الجامحة، تتغاضى عن، وتهرب من، تعقيد العالم وصعوبته، لكنها توفر الإلهام، فالأعداء يساعدون في الحفاظ على التضامن، بينما يُساعد التاريخ على الاثنين معاً. التاريخ الذي يريد «داعش» أن يكتبه يسبقه فعلٌ تدميري يخوضه التنظيم ضد تاريخ التنوّع الإسلامي، ضد الأقليات التي عاشت لقرون في ظل الحضارة العربية الإسلامية، ضد الآثار والصور والمعابد التي تقدّم سردية منفتحة عن التاريخ الإسلامي. معنى هذا أن «الداعِشوُوديّة» توظيف حداثيّ فاقع، وقراءة انتقائية جداً للتاريخ الإسلامي، لإنتاج هوية مبسطة يزول فيها التنوع وتصلح كمِعوَلِ صِدامٍ مع العالم والآخر، وتشكّل عنصر جذب لشباب يبحث عن امتلاك قوة ما والخروج من الهشاشة وتفريغ ما لديه من طاقة احتجاجية واغتراب عن محيطه ومنطق العصر، والتنظيم في رسائله «الداعِشوُوديّة» يقدّم لهؤلاء الشباب وسيلة للخروج من تعقيد العالم واشتباكه، وصعوبة فهمه وإدراك ما تنطوي عليه العلاقات الدولية من رمادية وذرائعية وحِربائية، تجعل «المؤامرة» خير زادٍ للتنظيم لتفسيرها والتفاعل معها. * كاتب أردني