منذ 1979م تاريخ إسقاط حكم الشاه محمد رضاء بلهوي في إيران وسيطرة الملالي على الحكم والحسّابة قد بدأت ومازالت في تسجيل الاستفزازات الإيرانية المتتالية بالتدخل في شؤون دول الجوار العربي وزعزعة كل أسباب الامن القومي الخليجي بالتزامن مع تحولٍ كبير في السياسة الخارجية الإيرانية إلى التوسع الإجباري عن طريق تصدير الثورة الخمينية إلى العراق ودول الخليج طمعاً في مكانة كبيرة بالمنطقة التي كانت تزدحم بالكبار آنذاك. على مدى تلك السنوات اختلفت الأحوال التي حكمت مراحل المواجهة بين السعودية -أكبر وأقوى دول الخليج- وإيران ففي مرحلة تورطت ايران بحرب طويلة ومرهقة ضد العراق حاولت السعودية خلالها تغليب السياسة ودفع العراق تحديداً إليها قبل أن تتحاز إلى صفه وتدعمه. وفي مرحلة أخرى كانت إيران قد تعدت الحدود عابرةً إلى لبنان وسوريا وفلسطين محاولةً وضع موطئ قدم لها هناك، وفي مرحلة أخرى كانت قد أثبتت وجودها بمليشيات متفرقة في المنطقة تتولى تحريكها وتمويلها وبدأت العمل في برنامجها النووي لأغراض ظاهرها سلمية لدفع القوى الدولية والعالم إلى الموافقة على البرنامج باعتبارها دولة فاعلة وذات نفوذ وسيطرة واسعة في المنطقة. وعلى مر تلك المراحل لم تنشغل السعودية بأكثر من مدافعة هذه المطامع الإيرانية وترميم آثارها وتوابعها في العراق والكويت ولبنان والبحرين ودول الربيع العربي. لكن الثابت في كل تلك المراحل هو أن إيران لم تتوقف عن انتهاك القانون الدولي لتحقيق أهدافها بكل مرحلة، ولم يكن لديها أهم من ازعاج السعودية الدولة الأكثر استقراراً -سياسياً واقتصادياً- بجوارها من خلال نشر إيديولوجيتها عن طريق رجالها في الدول المحيطة بالسعودية، والمشكلة أن السعودية استمرت باحترام ذلك القانون الدولي الذي وقعت على مواثيقه وتعهدت بتعهداته، لكنه لم يحترم دبلوماسيتها الحكيمة التي بُنيت على أساسه في كل مراحل المواجهة مع ايران. حتى عندما انتهكت إيران حرمة المشاعر المقدسة في السعودية لم تصعد السعودية بعنف وإلا بقوة غير محسوبة، لكن احتكمت إلى القوانين الدولية التي لم تعد أكثرها مناسبة للتعامل مع نظام مَرَق عنها. وطوال تاريخ المواجهة ضد إيران كسبت السعودية بسياسة المواجهة بحكمة كل دول المنطقة إلى صفها، فيما لم تكسب إيران أكثر من ميليشيات متناثرة صنعتها أجهزة استخباراتها التي عملت بجد منذ 1979م في دول الأنظمة المتزعزعة باليمن ولبنان ثم العراق بعد الغزو الأمريكي، هذا غير نظام الأسد في سوريا الذي انساق لتحقيق الأهداف المشتركة مع إيران على أساس الرابط الطائفي والعقدي الذي يجمعه بإيران ويبعده جداً عن محيطه العربي. السياسة الحكيمة لا تقتصر فقط على الدبلوماسية لكنها وصلت حد الضرب بالقوة العسكرية عندما احتاج الأمر لذلك في مرتين ضد الحوثيين الذين دفعتهم إيران للتعدي على حدود السعودية، في كلا المرتين، وللتمرد على النظام في اليمن المؤيد للسعودية واحتلال العاصمة صنعاء، ومرةً أخرى كان ذلك بناءً على مواثيق الأمم المتحدة ومعاهدات الجامعة العربية. اليوم وقد دخلت المواجهة مرحلة جديدة سيختلف حتماً فيها التعامل بين الدولتين وفقاً للحالة القائمة حيث قطعت السعودية كل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، وأصبح الهامش أكبر لأن تصل المواجهة حداً أكثر تعقيداً وهو أسوأ ما تحتاجه المنطقة، لكن بما أن السعودية تقف كثيراً لتشرك حلفاءها وشركاءها في القرار عندما يتعلق الأمر بالمواجهة ضد إيران وتقدم أولاً مصلحة الاستقرار العام للمنطقة. وفيما تقف إيران مضطرةً بانتظار الخطوات السعودية بعد أن سقطت أوراق المبادرة من يديها فلا أتوقع أن تعمل السعودية بسياسة العين بالعين والسن بالسن وتقوم بإشعال الفوضى في إيران وهي قادرة على ذلك ولن تحرك الأقليات الموالية لها هناك بشكل غير سلمي، ولن تدعم أي حراك مسلح ضد نظام الملالي، (وكل ذلك على الأقل الآن). لكن سيكون هامش التكهنات مفتوحاً أمام خطوات حثيثة لعزل إيران عن محيطها الإقليمي من خلال توحيد الموقف العربي والإسلامي قدر الإمكان في إجراءات قطع العلاقات الدبلوماسية وإيقاف الأنشطة التجارية مع ايران، وإقفال خطوط الملاحة الجوية والبحرية، أو إحياء الملفات الخامدة مثل قضية الأحواز العربية في إيران وتصعيد قضيتهم دولياً وطرح انتهاكاتهم أمام منظمات حقوق الإنسان وتصعيد قضيتهم دولياً حتى يمنحوا حق تقرير المصير.. المهم أنني لا أتوقع دبلوماسيةً مختلفة تبتعد عن الحكمة المعتادة وتستجيب لاستفزازات إيران وتسلك نفس أسلوبها، وهذه السياسة ستعمل الكثير. كاتب سعودي @ghazico13 رابط الخبر بصحيفة الوئام: هذه السياسة ستعمل الكثير