×
محافظة المنطقة الشرقية

خضر: الإسماعيلي كان يستحق الفوز على الشرطة

صورة الخبر

ما كان لمصطلح حرق المراحل أن يظهر وتتداوله الميديا لولا الفجوة التي نشأت بين التقدم والتخلف، وبالتالي رغبة الأقل تقدماً في اللحاق بالعصر من خلال الإسراع في مجمل الإيقاعات، خصوصاً ما له صلة بالعلم والتكنولوجيا بمختلف مجالاتها. وبالفعل هناك دول حرقت مراحل على هذا الصعيد خصوصاً في تجارب آسيوية، لكن ما لا يقبل حرق المراحل هو شيء آخر لا علاقة له بالصناعة والعمران.. إنه مفاهيم تاريخية ذات جذور ثقافية منها نظم سياسية كالديمقراطية، ومنها أيضاً ما يتعلق بما يسمى القوة الناعمة حسب المعنى الذي اقترحه واضع هذا المصطلح وهو جوزيف ناي. الديمقراطية كنتاج مطبوخ على نار تاريخية هادئة لها مراحل، هناك من المؤرخين من يشبهها بمراحل نمو دودة القز، لكن بشكل مجازي لا يخلو من شعرية، فثمة تجارب توقفت عند طور العذراء ومكثت في الشرنقة، لأنها تعرضت لإجهاض حال دون نموها واستكمال عناصرها. وحين يقول كاتب مثل وايتهد أو كاتبة كالليدي هاملتون إن البشر لم يستطيعوا ترجمة كلمة الديمقراطية إلى لغات أخرى غير يونانية فدلالة ذلك أن الظروف التي عاشها اليونانيون القدماء قبل أكثر من خمسة وعشرين قرناً أتاحت لهم إفراز هذا المفهوم، هذا بالرغم من أن أثينا في عصرها الذهبي كان سدس سكانها من العبيد. ولأن الديمقراطية بالتحديد ذات جذر تربوي فهي نسيج معقد يتداخل فيه التربوي والاجتماعي والاقتصادي، إضافة إلى الثقافي، لهذا كان لا بد لها أن تمر بمراحل بدءاً من الماغناكارتا البريطانية حتى العقد الاجتماعي الفرنسي وانتهاء بالتجارب الديمقراطية السائدة الآن. وكذلك أيضاً القوة الناعمة وهي المخزون المعرفي والفني لدى شعب ما بحيث يتراكم بمرور الوقت وينتج معاييره ومنظومة قيمه، ومن ثم يمارس نفوذه ويتمدد خارج الحدود، لكن بفضل المعرفة ومنجزاتها وليس بفضل القوة العسكرية، لأن القوة الناعمة تتسلل بسلاسة وبلا مصدّات بل تجد من يتقبلها ويضيفها إلى تراثه، وهذا هو الفارق الجوهري بينها وبين الاستعمار الذي يفرض ثقافة زائفة وطارئة وعسيرة الهضم على الشعوب التي يستعمرها، ولهذا ما إن تستقل حتى تهتدي إلى جوهر هويتها ومكوناتها وتعاني فوبيا تلك الثقافة المقررة بالقوة. إن حرق المراحل مطلب مشروع في مجالات تطوير المجتمعات، لكنه ليس وصفة عامة وشاملة، لأن هناك مراحل يجب أن تأخذ حقها.