على مائدة الإفطار برنامج كان يشغف الآذان والقلوب معا حيث كان الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله الذي جمع بين العلم والأدب مثالا رائعا للظهور الدعوي في ذلك الوقت، الذي كان فيه قلب الشريط في آلة التسجيل الأكشن الوحيد في ذلك البرنامج الممتع. قبل أن تكون البرامج الدينية اليوم مليئة بالمفاجآت التي تتنوع من التصوير خارج الحدود إلى المزارع والمنتجعات الفارهة، ولكن من الإنصاف القول إن البرامج الدينية في رمضان أصبحت مادة رئيسة تنافس برامج الترفيه في شهر الخير وهي ميزة للمتلقي الذي يبحث عن التفقه في دينه في هذا الشهر الروحاني بالذات، لا أتحدث عن برامج العلماء.. فهم أكثر رصانة واتزانا، وإنما عن برامج الدعاة الذين أصبحوا اليوم يعشقون الفلاشات أكثر من الدروس في المساجد، والكاميرات أكثر من كلمات الوعظ في السجون! هناك شريحة ظهرت مع بداية الصحوة الإسلامية لكنها نمت بشكل كبير ومتسع في أعقاب الثورة الإعلامية وهم الدعاة. والداعية هو المبلغ والمعلم والساعي إلى تطبيق ما يدعو إليه من هدى أو ضلالة. وفي المتعارف والدارج عليه الناس أن الداعية هو عالم شرعي يتحرك بشكل أكبر وأكثر، لكن الواقع الحقيقي اليوم يقول إن الداعية ليس عالما دينيا ضليعا ولا فقيها شرعيا يستطيع أن يُكون رأيا فقهيا في مسألة نازلة، وإنما مبلغ للآداب والتشريعات الإسلامية وفق ما يطلع عليه من كتب وآراء ودروس، فنجد اليوم الطبيب الداعية والرياضي الداعية والمهندس والفنان وغيرهم وهذا في حدوده لا مانع منه إذا كان يرتكز على نشر قيم ومبادئ وأخلاق، لكن عندما يتحول الدعاة إلى قضاة وعلماء ومشرعين فيجب التوقف عند هذه الظاهرة كما توقف علماء الإسلام في السابق مع القصاص والوعاظ، وبعض الدعاة اليوم وجه متطور من القاص والواعظ. في القرون الماضية كان القاص والواعظ ينافس العالم في المسجد ويحضر عنده الآلاف شغفا وحبا في قصصه المختلقة التي يستدر بها عواطف الناس وإن كان بالكذب، ولعلنا نتذكر جميعا في التسعينات قصة الشاب أحمد التي اخترعها أحد الوعاظ للتحذير من الزنا وكذب فيها وشرق وغرب حتى وصل الأمر إلى الافتراء وإدخال أسماء علماء كبار واستغلال صيتهم في قصته، ذلك الداعية شهير معروف خرج علينا في يوم ما وقال إنها كذبة في مصلحة!. هل يمكن أن يكون هناك من يبني تربيته على الكذب والغش والتزوير باسم الدعوة، لقد كان الإمام أحمد بن حنبل والشافعي ومالك يضيقون ذرعا بالقصاص والوعاظ لكن سلطة أولئك الوعاظ عندما يتركون تكون أكبر من العالم، فإذا كانت أكبر كان التحكم في عامة الناس أسهل وضلالهم أسرع. وليس سرا أن الدعاة اليوم يضيقون بآراء العلماء والعلماء يتضجرون من مبالغة وسطوة الوعاظ، لكن هناك استغلال للدين وتفريط بالمسؤولية من قبل المؤسسات الدينية أفضت إلى هذه الحال، وللتأكد من هذا الكلام عليك الدخول لأحد معرفات الدعاة وليس العلماء على «تويتر» لتشاهد التناقض العجيب الذي لا يمكن أن يقع فيه طالب علم ناهيك عن عالم.