ها هو عام 2015 بدأ يجمع أدباشه مستعدًا للرحيل، ومخلفًا وراءه حصادًا من الأحداث، تنصهر في غالبيتها تحت عنوان واحد هو الإرهاب. ففي هذا العام الذي لم يبقَ منه سوى أربعة أيام، عرف العالم هجمات عدّة وحشية من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها ما يسمى تنظيم «داعش». يمكن القول، إن هذا التنظيم أصبح الشغل الشاغل لكل العالم اليوم، واستطاع من خلال العمليات الغادرة والشيطانية أن يتلاعب بالأوراق السياسية ويؤثر على العلاقات بين الدول ويضغط على حكومات عدّة كي تعيد ترتيب أولوياتها. ففي عام 2015، قامت التنظيمات الإرهابية، بتصعيد كمي ونوعي في عمليات القتل، ويظهر ذلك جليًا في التعاطي مع فرنسا، أحد مراكز القوى في أوروبا والعالم باعتبارها هدفًا رمزيًا وماديًا في الوقت نفسه، فتمّ استهداف مقر مجلة «شارلي إيبدو» التي سقط فيها صحافيون قتلى، وعملية إرهابية ثانية حصلت أيضًا منذ أسابيع قليلة، سقط ضحيتها 130 قتيلاً. ولقد أسهمت هذه الاعتداءات الوحشية على عاصمة الأنوار باريس ومهد الثورة الفرنسية واللائكية وقيم العقلانية والحرية والحداثة، في تقوية عزيمة أوروبا وجعلها أكثر جدية في محاربة الإرهاب باعتبار أنها أصبحت هدفًا مباشرًا ومعنية به. وبلغ تأثير الضربتين الإرهابيتين على فرنسا إلى حد فوز اليمين المتطرف والعنصري في فرنسا في الدور الأول من الانتخابات الجهوية الفرنسية، وهو الفوز الأول في تاريخه. وهكذا يتضح لنا جيدًا إلى أي حد بلغ تأثير «داعش» التي خلطت الأوراق السياسية في فرنسا وفتحت شهية اليمين المتطرف في القارة العجوز أوروبا، وأعادت أيضًا في جميع الديمقراطيات العريقة والناشئة الجدل بين الحريات والتضييقات التي تفرضها الحرب على الإرهاب. سنة 2015، ستظل حاضرة بقوة في العقل السياسي الدولي لما عرفته من أحداث أخرى نوعية جدًا على رأسها دخول روسيا الأراضي السورية بذريعة محاربة «داعش» وهو مُعطى شكّل أحد أهم المنعرجات السياسية المفصلية في سنة 2015، وأغلب الظن أن تداعيات هذه الخطوة المفاجئة ستظهر في عام 2016، وإن كانت بدأت هذه التداعيات تطفو على السطح من خلال التوتر الروسي – التركي. وفي الحقيقة، تدخّل روسيا في سوريا جعل الكثير يحبس أنفاسه ويتوقع سيناريوهات توتر تزيد في تهديدات المنطقة. المغرب العربي بدوره لم ينجُ من مخالب الدواعش، حيث أصبحت ليبيا بؤرة «داعشية» بامتياز، وتم إيذاء تونس بثلاث عمليات إرهابية أوجعت اقتصادها وسياحتها. في عام 2015 حصل نوع من الإجماع في كون التنظيمات الإرهابية باتت قريبة جدًا من الجميع ومهددة للجميع. ومن ثمَّ، فإن التنظيمات الإرهابية بحكم ما أصبحت تمارسه من هستيريا القتل والذبح واستهداف الفضاءات العمومية المقدسة (المساجد في السعودية والكويت...) والفضاءات العمومية الأخرى (الشوارع والمسارح...) فإن مراقبتها أصبحت أكثر إمكانية، ولعل تزايد التكتلات الدولية ضد التنظيمات الإرهابية بعد تغلغل الشعور العام بالاستهداف، هو المكسب اليتيم الذي تحقق خلال عام 2015. لم تعد محاربة الإرهاب ترفًا لدى بعض الدول، وما عاد بالإمكان التمعش من مسألة تقاطع المصالح بين الإرهابيين وبعض الأطراف. لذلك، فإنه في النصف الثاني من عام 2015 بدأت إمكانية الحديث عن توفر الإرادة الدولية لمحاربة الإرهاب.. تلك الإرادة التي لطالما كانت غائبة وضعيفة، الأمر الذي سمح لهذه التنظيمات بأن تنعم بالسمنة وبأن تنمو عظامها ومخالبها. قبل أربعة أيام من قدوم 2016 يمكن القول إن إرادة القضاء على الإرهابيين أصبحت محل إجماع ومجال اتفاق. النقطة الأخرى الجديرة بالتوقف عندها، تتمثل في مسألة انخراط الفعل السياسي الدولي في حالة من الغموض المضاعف، وتعقد أوراق الأزمة الشرق أوسطية بشكل يفقد القدرة على تحديد الموقف بالنسبة إلى الدول الأطراف في الصراع والتأزم، أو الأخرى التي أملى عليها موقعها الجغرا - سياسي، أن تكون مهددة بالنيران الصديقة، التي فرضتها الحرب على «داعش». ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من مزيد تعقد الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، هو أن حتى الانخراط الدولي والإسلامي لمحاربة الإرهاب وتنظيماته، إنما هو انخراط مرتبط بتحقيق هدف حيوي قريب وغير قادر على رسم خطة واضحة ومتفق عليها بدليل تواتر الاجتماعات الخاصة بالأزمة السورية، دون التمكن من النطق بمواقف صريحة، وذلك لأن بعض الأطراف تفضل معالجة ظاهرة الإرهاب كي تتضح الرؤية وتصبح أكثر صراحة في تحديد الموازين والتوازنات الجديدة. فهل ستكون سنة 2016 سنة الحرب على الإرهاب والقضاء عليه؟ أم إن هذه الحرب لا تكفيها سنة واحدة؟ وإلى أي مدى ستؤثر هذه الحرب على بلداننا وما هو نصيبنا في تكلفتها من الدم والمال؟